ذاتها ممكنة الوجود وبه صارت واجبة الوجود فلا تكون واجب الوجود بذاته فهو نفس واجب الوجود بذاته وليقس على ذلك سائر صفاته تعالى الحقيقية الكمالية كالعلم والقدرة وغيرهما. واعترض أيضا بأنه لم يجوز أن يكون ما به الامتياز أمرا عارضا لا مقوما حتى يلزم التركيب. وأجيب بأن ذلك يوجب أن يكون التعين عارضا وهو خلاف ما ثبت بالبرهان ، ولابن كمونة في هذا المقام شبهة شاع أنها عويصة الدفع عسيرة الحل حتى أن بعضهم سماه لابدائها بافتخار الشياطين وهي أنه لم لا يجوز أن يكون هناك هويتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الماهية يكون كل منهما واجبا بذاته ويكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما مقولا عليها قولا عرضيا ، وقد رأيت في ملخص الإمام عليه الرحمة نحوها ، ولعلك إذا أحطت خبرا بحقيقة ما ذكرنا يسهل عليك حلها وإن أردت التوضيح فاستمع لما قيل في ذلك إن مفهوم واجب الوجود لا يخلو إما أن يكون انتزاعه عن نفس ذات كل منهما من دون اعتبار حيثية خارجة أية حيثية كانت أو مع اعتبار تلك الحيثية وكلا الشقين محال ، أما الثاني فلما تقرر أن كل ما لم يكن ذاته مجرد حيثية انتزاع الوجوب فهو ممكن من ذاته ، وأما الأول فلأن مصداق حمل مفهوم واحد ومطابق صدقه بالذات مع قطع النظر عن أية حيثية كانت لا يمكن أن يكون حقائق متخالفة متباينة بالذات غير مشتركة في ذاتي أصلا ، ولعل كل سليم الفطرة يحكم بأن الأمور المتخالفة من حيث كونها متخالفة بلا حيثية جامعة لا تكون مصداقا لحكم واحد ومحكيا عنها به نعم يجوز ذلك إذا كانت تلك الأمور متماثلة من جهة كونها متماثلة ولو في أمر سلبي بل نقول لو نظرنا إلى نفس مفهوم الوجود المصدري المعلوم بوجه من الوجوه بديهة أدانا النظر والبحث إلى أن حقيقته وما ينتزع هو منه أمر قائم بذاته هو الواجب الحق الوجود المطلق الذي لا يشوبه عموم ولا خصوص ولا تعدد إذ كل ما وجوده هذا الوجود لا يمكن أن يكون بينه وبين شيء آخر له أيضا هذا الوجود فرضا مباينة أصلا ولا تغاير فلا يكون اثنان بل يكون هناك ذات واحدة ووجود واحد كما لوح إليه صاحب التلويحات بقوله : صرف الوجود الذي لا أتم منه كلما فرضته ثانيا فإذا نظرت فهو هو إذ لا ميز في صرف شيء فوجوب وجوده تعالى الذي هو ذاته سبحانه تدل على وحدته جل وعلا انتهى فتأمل.
ولا يخفى عليك أن أكثر البراهين على هذا المطلب الجليل الشأن يمكن تخريج الآية الكريمة عليه ويحمل حينئذ الفساد على عدم التكون فعليك بالتخريج وإن أحوجك إلى بعض تكلف وإياك أن تقنع بجعلها حجة إقناعية كما ذهب إليه كثير فإن هذا المطلب الجليل أجل من أن يكتفى فيه بالإقناعات المبنية على الشهرة والعادة ، ولصاحب الكشف طاب ثراه كلام يلوح عليه مخايل التحقيق في هذا المقام سنذكره إن شاء الله تعالى كما اختاره في تفسير قوله تعالى : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] ثم لا تتوهمن أنه لا يلزم من الآية نفي الاثنين والواحد لأن نفي آلهة تغاير الواحد المعين شخصا يستلزم بالضرورة أن كل واحد واحد منهم يغايره شخصا وهو أبلغ من نفي واحد يغاير المعين في الشخص على أنه طوبق به قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) وقيام الملازمة كاف في نفي الواحد والاثنين أيضا واستشكل سياق الآية الكريمة بأن الظاهر أنها إنما سيقت لإبطال عبادة الأصنام المشار إليه بقوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) لذكرها بعده ، وهي لا تبطل إلا تعدد الإله الخالق القادر المدبر التام الألوهية وهو غير متعدد عند المشركين ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥ ، الزمر : ٣٨] وهم يقولون في آلهتهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] فما قالوا به لا تبطله الآية ؛ وما تبطله الآية لم يقولوا به ومن هنا قيل معنى الآية لو كان في السماء والأرض آلهة كما يقول عبدة الأوثان : لزم فساد العالم لأن تلك الآلهة التي يقولون بها جمادات لا تقدر على تدبير العالم فيلزم فساد العالم ، وأجيب بأن قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا) إلخ مسوق للزجر عن عبادة الأصنام وإن لم تكن لها الألوهية التامة لأن العبادة إنما تليق لمن له ذلك وبعد الزجر عن ذلك أشار سبحانه إلى أن من له ما ذكر لا يكون إلا