يغلب على ظنه قدرة الوفاء وهو معذور فيما أرى عند الله عزوجل إذا فعل ومات ولم يترك وفاء فتأمل ، ويكون مكروها عند خوف الجور كما سمعت ، وحراما عند تيقنه لأن النكاح إنما شرع لمصلحة تحصين النفس وتحصيل الثواب وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد ، ويكون سنة مؤكدة في الأصح حالة القدرة على الوطء والمهر والنفقة مع عدم الخوف من الزنا والجور وترك الفرائض والسنن فلو لم يقدر على واحد من الثلاثة الأول أو خاف واحدا من الثلاثة الأخيرة فلا يكون النكاح سنة في حقه كما أفاده في البدائع ، ويفهم من أشباه ابن نجيم توقف كونه سنة على النية ، وذكر في الفتح أنه إذا لم يقترن بها كان مباحا لأن المقصود منه حينئذ مجرد قضاء الشهوة ومبنى العبادة على خلافه فلا يثاب والنية التي يثاب بها أن ينوي منع نفسه وزوجته عن الحرام ، وكذا نية تحصيل ولد تكثر به المسلمون وكذا نية الاتباع وامتثال الأمر وهو عندنا أفضل من الاشتغال بتعلم وتعليم كما في درر البحار وأفضل من التخلي للنوافل كما نص عليه غير واحد ، وفي بعض معتبرات كتب الشافعية أن النكاح مستحب لمحتاج إليه يجد أهبته من مهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه ولا يستحب لمن في دار الحرب النكاح مطلقا خوفا على ولده التدين بدينهم والاسترقاق ويتعين حمله على من لم يغلب على ظنه الزنا لو لم يتزوج إذ المصلحة المحققة الناجزة مقدمة على المصلحة المستقبلة المتوهمة وإنه إن فقد الأهبة استحب تركه لقوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ) الآية ويكسر شهوته بالصوم للحديث ، وكونه يثير الحرارة والشهوة إنما هو بابتدائه فإن لم تنكسر به تزوج ، ولا يكسرها بنحو كافور فيكره بل يحرم على الرجل والمرأة إن أدى إلى اليأس من النسل ، وقول جمع : إن الحديث يدل على حل قطع العاجز الباءة بالأدوية مردود على أن الأدوية خطيرة وقد استعمل قوم الكافور فأورثهم عللا مزمنة ثم أرادوا الاحتيال لعود الباءة بالأدوية الثمينة فلم تنفعهم ، فإن لم يحتج للنكاح كره له إن فقد الأهبة وإلا يفقدها مع عدم حاجته له فلا يكره له لقدرته عليه ومقاصده لا تنحصر في الوطء والتخلي للعبادة أفضل منه فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل في الأصح كما قال النووي لأن البطالة تفضي إلى الفواحش فإن وجد الأهبة وبه علة كهرم أو مرض دائم أو تعنن كذلك كره له لعدم حاجته مع عدم تحصين المرأة المؤدي غالبا إلى فسادها ، وبه يندفع قول الإحياء يسن لنحو الممسوح تشبها بالصالحين كما يسن إمرار الموسى على رأس الأصلع ، وقول الفزاري : أي نهى ورد في نحو المجبوب والحاجة لا تنحصر في الجماع. ولو طرأت هذه الأحوال بعد العقد فهل يلحق بالابتداء أولا لقوة الدوام تردد فيه الزركشي والثاني هو الوجه كما هو ظاهر انتهى ، وفيه ما لم يتعرض له في كتب أصحابنا فيما علمت لكن لا تأباه قواعدنا ، ثم إن الظاهر أن الآية خاصة بالرجال فهم المأمورون بالاستعفاف عند العجز عن مبادي النكاح وأسبابه ، نعم يمكن القول بعمومها واعتبار التغليب إذا أريد بالنكاح ما ينكح لكن قد علمت ما فيه ولا تتوهمن من هذا أنه لا يندب الاستعفاف للنساء أصلا لظهور أنه قد يندب في بعض الصور بل من تأمل أدنى تأمل يرى جريان الأحكام في نكاحهن لكن لم أر من صرح به من أصحابنا ، نعم نقل بعض الشافعية عن الأم ندب النكاح للتائقة وألحق بها محتاجة للنفقة وخائفة من اقتحام فجرة.
وفي التنبيه من جاز لها النكاح إن احتاجته ندب لها ، ونقله الأذرعي عن أصحاب الشافعي ثم بحث وجوبه عليها إذا لم تندفع عنها الفجرة إلا به ولا دخل للصوم فيها ، وبما ذكر علم ضعف قول الزنجاني : يسن لها مطلقا إذ لا شيء عليها مع ما فيه من القيام بأمرها وسترها ، وقول غيره : لا يسن لها مطلقا لأن عليها حقوقا للزوج خطيرة لا يتيسر لها القيام بها بل لو علمت من نفسها عدم القيام بها ولم تحتج له حرم عليها ا ه ، ولا يخفى أن ما ذكره بعد بل متجه واستدل بعضهم بالآية على بطلان نكاح المتعة لأنه لو صح لم يتعين الاستعفاف على فاقد المهر ، وظاهر الآية تعينه ولا يلزم من ذلك تحريم ملك اليمين لأن من لا يقدر على النكاح لعدم المهر لا يقدر على شراء الجارية غالبا ذكره