الضمنية قد تعتبر شرعا وان لم تقصد كما يرشد إلى ذلك أنهم اعتبروا في قول القائل لآخر : أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه البيع الضمني بركنيه وإن لم يكن القائل خاطرا بباله ذلك وقاصدا له.
وبحث فيه بانهم إنما اعتبروا أولا العتق الذي هو مدلول اللفظ والمقصود منه ترجيحا لجانب الحرية ثم لما رأوا أن ذلك موقوف على الملك الموقوف على البيع حسب العادة الغالبة اعتبروا البيع ليتم لهم الاعتبار الأول ولم يعتبروه مدلولا للفظ العتق أصلا ليشترط القصد وإن أوهمه تسميتهم إياه بيعا ضمنيا بخلاف ما نحن فيه على ما سمعت فإن إيقاع القبول قد توقف عليه ماهية البيع الشرعي واعتبر مدلولا ضمنيا له بحيث صار عندهم كما يقتضيه ظاهر كلام الإرشاد نحو بعت بمعنى أوقعت إيجابا مني أصالة وقبولا منك نيابة وظاهر في مثل ذلك تحقق القصد وحيث نفى بالوجدان قصد إيقاع القبول نيابة علم أنه ليس مدلولا ضمنيا.
ومن الناس من تفصى عن الاشكال بالتزام أن البيع هو الإيجاب والقبول شرط صحته فقول القائل بعت إنشاء لبيع يحتمل الصحة وعدمها ومتى قال الآخر اشتريت تعينت الصحة وأن قولهم ركن البيع الإيجاب والقبول من المسامحات الشائعة أو بالتزام أن للبيع ونحوه إطلاقين ، أحدهما العقد الحاصل من مجموع الإيجاب والقبول كما في نحو قولك : وقع البيع بين زيد وعمرو وثانيهما الإيجاب فقط كما في نحو قولك بعته كذا فلم يشتر والبيع الدال عليه بعت الانشائي من هذا القبيل فلا إشكال في إسناده إلى المتكلم فتأمل وتدبر.
وفي هذا المقام أبحاث تركناها خوفا مزيد البعد عما نحن بصدده والله تعالى الموفق ، و (الَّذِينَ) يحتمل أن يكون في محل رفع على الابتداء والخبر قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ) وهو بتقدير القول بناء على المشهور من أن الجملة الانشائية لا تقع خبرا عن المبتدأ إلا كذلك ، وقال بعض المحققين : لا حاجة في مثل هذا إلى التأويل لأنه في معنى الشرط والجزاء ولذا جيء في الخبر بالفاء.
ويحتمل أن يكون في محل نصب على أنه مفعول لمحذوف يفسره المذكور والفاء فيه لتضمن الشرط أيضا ؛ وفي البحر يجوز أن تقول : زيدا فاضرب وزيدا اضرب فإذا دخلت الفاء كان التقدير تنبه فاضرب فالفاء في جواب أمر محذوف ا ه. وأنت تعلم أنه لا يحتاج إلى هذا في الآية ، وذكر بعض الأفاضل أن الفاء فيها على الاحتمال الثاني لأن حق المفسر أن يعقب المفسر ، والمراد كتابة بعد كتابة فإن في الموالي كثرة وكذا في المكاتبين فليس الأمر به للمولى بالنسبة إلى مكاتب واحد ا ه. وهو يشبه الرطانة بالأعجمية.
والأمر للندب على الصحيح ، وقيل هو للوجوب وهو مذهب عطاء وعمرو بن دينار والضحاك وابن سيرين وداود ، وما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن أنس بن مالك قال : سألني سيرين المكاتبة فأبيت عليه فأتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأقبل عليّ بالدرة وتلا قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ) إلخ وفي رواية كاتبه أو لأضربنك بالدرة ظاهر في القول بالوجوب ، وجمهور الأئمة كمالك والشافعي ، وغيرهما على أن المكاتبة بعد الطلب وتحقق الشرط الآتي إن شاء الله تعالى مندوبة بيد أن من قال منهم بأن ظاهر الأمر للوجوب كالشافعي لم يقل بظاهره هنا لأنه بعد الحظر وهو بيع ماله بماله للاباحة ، وادعى أن ندبها من دليل آخر ، وظاهر الآية جواز الكتابة سواء كان البدل حالا أو مؤجلا أو منجما أو غير منجم لمكان الإطلاق وإلى ذلك ذهب الحنفية.
وذهب جمهور الشافعية إلى أنه يشترط أن يكون منجما بنجمين فأكثر فلا تجوز بدون أجل وتنجيم مطلقا ،