كفروا به وبموسى عليهما الصلاة والسلام فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم حيث آمنوا بما جاء به من الحق وقالوا : إنه الحق من ربنا ثم صرحوا بتقادم إيمانهم به وأشاروا بذلك إلى إيمانهم بنبيهم وبما جاءهم به أيضا فلو لم يحمل إنك لا تهدي من أحببت على نفي القدرة على إدخال من أحبه عليه الصلاة والسلام في الإسلام بل حمل على نفي وقوع إدخاله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إياه فيه لبعد الكلام عن التسلية وقرب إلى العتاب فإنه على طرز قولك لمن له أحباب لا ينفعهم إنك لا تنفع أحبابك وهو إذا لم يؤول بأنك لا تقدر على نفع أحبابك فإنما يقال على سبيل العتاب أو التوبيخ أو نحوه دون سبيل التسلية ، ولما كان لهدايته تعالى أولئك الذين أوتوا الكتاب مدخلا فيما يستدعي التسلية كان المناسب إبقاء (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) على ظاهره من وقوع الهداية بالفعل دون القدرة على الهداية وإثبات ذلك له تعالى فرع إثبات القدرة ففي إثباته إثباتها لا محالة فيصادف الاستدراك المحز ، وحمل المهتدين على المستعدين للهداية لا يستدعي حمل يهدي على يقدر على الهداية فما ذكر من اللزوم ممنوع ؛ ويجوز أن يراد بالمهتدين المتصفون بالهداية بالفعل ، والمراد بعلمه تعالى بهم مجازاته سبحانه على اهتدائهم فكأنه قيل : وهو تعالى أعلم بالمهتدين كأولئك الذين ذكروا من أهل الكتاب فيجازيهم على اهتدائهم بأجر أو بأجرين فتأمل ، والآية على ما نطقت به كثير من الأخبار نزلت في أبي طالب.
أخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم فقال : يا عماه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله يوم القيامة فقال : لو لا أن يعيروني قريش يقولون : ما حمله عليها إلا جزعه من الموت لأقررت بها عينك ، فأنزل الله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية.
وأخرج البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وغيرهم ، عن سعيد بن المسيب عن أبيه نحو ذلك ، وأخرج أبو سهل السري بن سهل من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) إلخ نزلت في أبي طالب ألح النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم أن يسلم فأبى فأنزل الله تعالى هذه الآية وقد روى نزولها فيه عنه أيضا ابن مردويه ، ومسألة إسلامه خلافية ، وحكاية إجماع المسلمين أو المفسرين على أن الآية نزلت فيه لا تصح فقد ذهب الشيعة وغير واحد من مفسريهم إلى إسلامه وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك وأن أكثر قصائده تشهد له بذلك ؛ وكأن من يدعي إجماع المسلمين لا يعتد بخلاف الشيعة ولا يعول على رواياتهم ، ثم إنه على القول بعدم إسلامه لا ينبغي سبه والتكلم فيه بفضول الكلام فإن ذلك مما يتأذى به العلويون بل لا يبعد أن يكون مما يتأذى به النبي عليه الصلاة والسلام الذي نطقت الآية بناء على هذه الروايات بحبه إياه ، والاحتياط لا يخفى على ذي فهم.
ولأجل عين ألف عين تكرم
(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً