شبهوا بالآيسين من الرحمة وهم الذين ماتوا على الكفر لأنه ما دامت الحياة لا يتحقق اليأس من الرحمة لرجاء الإيمان ، أو من قدر آيسا من الرحمة على الفرض دلالة على توغلهم في الكفر وعدم ارعوائهم وقرأ الذماري وأبو جعفر ، «ييسوا» بغير همز بل بياء بدل الهمزة (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في تكرير اسم الإشارة وتكرير الإسناد وتنكير العذاب ووصفه بالأليم من الدلالة على فظاعة حالهم ما لا يخفى لكن قال الإمام : إنه تعالى أضاف الرحمة إلى نفسه عزوجل دون العذاب ليؤذن بأن رحمته جل وعلا سبقت غضبه سبحانه ، وأنت تعلم أن في الآية على هذا دلالة على سوء حالهم أيضا لإفادتها أنهم حرموا تلك الرحمة العظيمة بما ارتكبوه من العظائم (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) بالنصب على أنه خبر كان واسمها قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ).
وقرأ الحسن : وسالم الأفطس بالرفع على العكس ، وقد مر ما فيه في نظائره ، والمراد بالقتل ما كان بسيف ونحوه فتظهر مقابلة الإحراق له ، ولا حاجة إلى جعل أو بمعنى بل ، والآمرون بذلك إما بعضهم لبعض أو كبرائهم قالوا لأتباعهم : اقتلوه فتستريحوا منه عاجلا أو حرقوه بالنار فإما أن يرجع إلى دينكم إذا مضته النار وإما أن يموت بها إن أصر على قوله ودينه ، وأيا ما كان ففيه إسناد ما للبعض إلى الكل ، وجاء هنا الترديد بين قتله عليهالسلام وإحراقه فقد يكون ذلك من قائلين ناس أشاروا بالقتل وناس بالإحراق ، وفي اقترب قالوا حرقوه اقتصروا على أحد الشيئين وهو الذي فعلوه رموه عليهالسلام في النار ولم يقتلوه ثم إنه ليس المراد أنهم لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن حججه عليهالسلام إلا هذه المقالة الشنيعة كما هو المتبادر من ظاهر النظم الكريم ، بل إن ذلك هو الذي استقر عليه جوابهم بعد اللتيا والتي في المرة الأخيرة ، وإلا فقد صدر عنهم من الخرافات والأباطيل ما لا يحصى (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) الفاء فصيحة أي فألقوه في النار فأنجاه الله تعالى منها بأن جعلها سبحانه عليه بردا وسلاما حسبما بين في مواضع أخر ، وقد مر بيان كيفية إلقائه عليهالسلام فيها وإنجائه تعالى إياه منها ، وكان ذلك في كوثى من سواد الكوفة ، وكونه في المكان المشهور اليوم من أرض الرها وعنده صورة المنجنيق وماء فيه سمك لا يصطاد ولا يؤكل حرمة له لا أصل له (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنجائه عليهالسلام منها (لَآياتٍ) بينة عجيبة وهي حفظه تعالى إياه من حرها وإخمادها في زمان يسير وإنشاء روض في مكانها.
وعن كعب أنه لم يحترق بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه عليهالسلام به ، ولو لا وقوع اسم الإشارة في أثناء القصة لكان الأولى كونه إشارة إلى ما تضمنته (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بالفحص عنها ، والتأمل فيها.
(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ