ما شاء أن يتخذ إلى ربه سبحانه سبيلا أي بالإنفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفقة في سبيل الله تعالى ليناسب الاستدراك فليفعل ، وذهب البعض إلى أنه متصل ، وفي الكلام مضاف مقدر أي إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان والطاعة حسبما ادعو إليهما ، وهو مبني على الادعاء وتصوير ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الإتيان به ، وهذا كالاستثناء في قوله :
ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم |
|
يعاب بنسيان الأحبة والوطن |
وفي ذلك قلع كلي لشائبة الطمع وإظهار لغاية الشفقة عليهم حيث جعل ذلك مع كون نفعه عائدا إليهم عائدا إليه صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : المعنى ما أسألكم عليه أجرا إلا أجر من آمن أي إلا الأجر الحاصل لي من إيمانه فإن الدال على الخير كفاعله وحينئذ لا يحتاج إلى الادعاء والتصوير السابق ، والأولى ما فيه قلع شائبة الطمع بالكلية.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) في الإغناء عن أجورهم والاستكفاء عن شرورهم ، وكأن العدول عن وتوكل على الله إلى ما في النظم الجليل ليفيد بفحواه أو بترتب الحكم فيه على وصف مناسب عدم صحة التوكل على غير المنصف بما ذكر من الحياة والبقاء ، أما عدم صحة التوكل على من لم يتصف بالحياة كالأصنام فظاهر وأما عدم صحته على من لم يتصف بالبقاء بأن كان ممن يموت فلأنه عاجز ضعيف فالمتوكل عليه أشبه شيء بضعيف عاد بقرملة ، وقيل : لأنه إذا مات ضاع من توكل عليه.
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوكل. والبيهقي في شعب الإيمان عن عقبة بن أبي ثبيت قال : مكتوب في التوراة لا توكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام ، ولكن توكل على الحي الذي لا يموت. وقرأ بعض السلف هذه الآية فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي ونزهه سبحانه ملتبسا بالثناء عليه تعالى بصفات الكمال طالبا لمزيد الإنعام بالشكر على سوابقه عزوجل فالباء للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال ، وقدم التنزيه لأنه تخلية وهي أهم من التحلية ، وفي الحديث : «من قال سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر» (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ) ما ظهر منها وما بطن كما يؤذن به الجمع المضاف فإنه من صيغ العموم أو قوله تعالى : (خَبِيراً) لأن الخبرة معرفة بواطن الأمور كما ذكره الراغب ومن علم البواطن علم الظواهر بالطريق الأولى فيدل على ذلك مطابقة والتزاما.
والظاهر أن (بِذُنُوبِ) متعلق بخبيرا وهو حال أو تمييز. وباء (بِهِ) زائدة في فاعل (كَفى) ، وجوز أن يكون (بِذُنُوبِ) صلة كفى. والجملة مسوقة لتسليته صلىاللهعليهوسلم ووعيد الكفار أي إنه عزوجل مطلع على ذنوب عباده بحيث لا يخفى عليه شيء منها فيجازيهم عليها ولا عليك إن آمنوا أو كفروا.
(الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) قد سلف تفسيره. ومحل الموصول الجر على أنه صفة أخرى للحي ، ووصف سبحانه بالصفة الفعلية بعد وصفه جل وعلا بالأبدية التي هي من الصفات الذاتية والإشارة إلى اتصافه تعالى بالعلم الشامل لتقرير وجوب التوكل عليه جل جلاله وتأكيده فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين وترتيب رصين في أوقات معينة مع كمال قدرته سبحانه على إبداعها دفعة بحكم جليلة وغايات جميلة لا تقف على تفاصيلها العقول أحق من يتوكل عليه وأولى من يفوض الأمر إليه.
وقوله تعالى : (الرَّحْمنُ) مرفوع على المدح أي هو الرحمن وهو في الحقيقة وصف آخر للحي كما في قراءة