زيد بن عبد الرحمن بالجر مفيد لزيادة تأكيد ما ذكر من وجوب التوكل عليه جل شأنه وإن لم يتبعه في الإعراب لما تقرر من أن المنصوب والمرفوع مدحا وإن خرجا عن التبعية لما قبلهما صورة حيث لم يتبعاه في الإعراب وبذلك سميا قطعا لكنهما تابعان له حقيقة ، ألا ترى كيف التزموا حذف الفعل والمبتدأ روما لتصوير كل منهما بصورة متعلق من متعلقات ما قبله وتنبيها على شدة الاتصال بينهما وإنما قطعوا للافتتان الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجد في الإصغاء.
وجوز أن يكون الموصول في محل نصب على الاختصاص وأن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف صفة له أو مبتدأ و (الرَّحْمنُ) خبره ، وجوز أن يكون (الرَّحْمنُ) بدلا من المستكن في «استوى» ويجوز على مذهب الأخفش أن يكون «الرحمن» مبتدأ ، وقوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) خبره على حد تخريجه قول الشاعر :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
وهو بعيد ، والظاهر أن هذه جملة منقطعة عما قبلها إعرابا ، والفاء فصيحة والجار والمجرور صلة اسأل والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالباء لتضمنه معنى الاعتناء. وعليه قول علقمة بن عبدة :
فإن تسألوني بالنساء فإنني |
|
خبير بأدواء النساء طبيب |
فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن كما فعل الأخفش والزجاج والضمير راجع إلى ما ذكر إجمالا من الخلق والاستواء. والمعنى إن شئت تحقيق ما ذكر أو تفصيل ما ذكر فاسأل معتنيا به خبيرا عظيم الشأن محيطا بظواهر الأمور وبواطنها وهو الله عزوجل يطلعك على جلية الأمر. والمسئول في الحقيقة تفاصيل ما ذكر لا نفسه إذ بعد بيانه لا يبقى إلى السؤال حاجة ولا في تعديته بالباء المبنية على تضمينه معنى الاعتناء المستدعي لكون المسئول أمرا خطيرا مهتما بشأنه غير حاصل للسائل فائدة فإن نفس الخلق والاستواء بعد الذكر ليس كذلك كما لا يخفى. وكون التقدير إن شككت فيه فاسأل به خبيرا على أن الخطاب له صلىاللهعليهوسلم والمراد غيره عليه الصلاة والسلام بمعزل عن السداد ، وقيل : (بِهِ) صلة (خَبِيراً) قدم لرءوس الآي.
وجوز أن يكون الكلام من باب التجريد نحو رأيت به أسدا أي رأيت برؤيته أسدا فكأنه قيل هنا فاسأل بسؤاله خبيرا ، والمعنى إن سألته وجدته خبيرا ، والباء عليه ليست صلة فإنها باء التجريد وهي على ما ذهب إليه الزمخشري سببية والخبير عليه هو الله تعالى أيضا. وقد ذكر هذا الوجه السجاوندي. واختاره صاحب الكشف قال : وهو أوجه ليكون كالتتميم لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ) إلخ فإنه لإثبات القدرة مدمجا فيه العلم ، وكون ضمير به راجعا إلى ما ذكر من الخلق والاستواء ، والخبير في الآية هو الله تعالى مروي عن الكلبي. وروى تفسير الخبير (بِهِ) تعالى عن ابن جريج أيضا.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخبير هو جبريل عليهالسلام ، وقيل : هو من وجد ذلك في الكتب القديمة المنزلة من عنده تعالى أي فاسأل بما ذكر من الخلق والاستواء من علم به من أهل الكتب ليصدقك ، وقيل : إذا أريد بالخبير من ذكر فضمير (بِهِ) للرحمن ، والمعنى إن أنكروا إطلاق الرحمن عليه تعالى فاسأل به من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم. وفيه أنه لا يناسب ما قبله ولأن فيه عود الضمير للفظ (الرَّحْمنُ) دون معناه وهو خلاف الظاهر ولأنه كان الظاهر حينئذ أن يؤخر عن قوله تعالى : (مَا الرَّحْمنُ).