الكلام في ذلك ، وأغرب ما رأيت ما ذكره الشعراني عن بعضهم أنه كان يبيع المطر فيمطر على أرض من يشتري منه متى شاء ، ومن له عقل مستقيم لا يقبل مثل هذه الحكاية ، وكم للقصاص أمثالها من رواية نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من اعتقاد خرافات لا أصل لها وهو سبحانه ولي العصمة والتوفيق.
وقرأ ابن أبي عبلة «بنعمات الله» بفتح النون وكسر العين جمعا لنعمة بفتح النون وهي اسم للتنعيم ، وقيل : بمعنى النعمة بالكسر (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) أي بعض دلائل ألوهيته تعالى ووحدته سبحانه وقدرته جلّ شأنه وعمله عزوجل ، وقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) تعليل لما قبله أي أن فيما ذكر لآيات عظيمة في ذاتها كثيرة في عددها لكل مبالغ في الصبر على بلائه سبحانه ومبالغ في الشكر على نعمائه جلّ شأنه.
و (صَبَّارٍ شَكُورٍ) كناية عن المؤمن من باب حي مستوي القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الإيمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إما ترك للمألوف غالبا وهو بالصبر أو فعل لما يتقرب به وهو شكر لعمومه فعل القلب والجوارح واللسان ، ولذا ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ، وذكر الوصفين بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأن الراكب فيه لا يخلو عن الصبر والشكر ، وقيل : المراد بالصبار كثير الصبر على التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق وإلّا فلا اختصاص للآيات بمن تعب مطلقا وكلا الوصفين بنيا بناء مبالغة ، وفعال على ما في البحر أبلغ من فعول لزيادة حروفه ، قيل : وإنما اختير زيادة المبالغة في الصبر إيماء إلى أن قليله لشدة مرارته وزيادة ثقله على نفس كثير (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ) أي علاهم وغطاهم من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق وهو المناسب هنا ، وقيل : أي أي أتاهم من الغشيان بمعنى الإتيان وضمير (غَشِيَهُمْ) أن اتحد بضمير المخاطبين قبله ففي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة وإلّا فلا التفات ، والموج ما يعلو من غوارب الماء وهو اسم جنس واحدة موجة وتنكيره للتعظيم والتكثير ، ولذا أفرد مع جمع المشبه به في قوله تعالى : (كَالظُّلَلِ) وهو جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب ، والمراد بها ما أظل من سحاب أو جبل أو غيرهما.
وقال الراغب : الظلة السحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره ، وفسر قتادة الظل هنا بالسحاب ، وبعضهم بالجبال ، وقرأ محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه «كالظلال» وهو جمع ظلة أيضا كعلبة وعلاب وجفرة وجفار ، وإذا ظرف لقوله تعالى : (دَعَوُا) أي دعوا (اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) إذا غشيهم موج كالظلل وإنما فعلوا ذلك حينئذ لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد.