الى الأرض لكل يوم من أيام الرب جلّ شأنه وهو ألف سنة كما قال سبحانه : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧] ثم يصير إليه تعالى ويثبت عنده عزوجل ويكتب في صحف ملائكته جلّ وعلا كل وقت من أوقات هذه المدة ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها ثم يدبر أيضا ليوم آخر وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة ، ويشير إلى هذا ما* روي عن مجاهد قال : إنه تعالى يدبر ويلقي إلى الملائكة أمور ألف سنة من سنينا وهو اليوم عنده تعالى فإذا فرغت ألقي إليهم مثلها ، وعليه الأمر بمعنى الشأن والجاران متعلقان به أو بمحذوف حال منه ولا تضمين في (يُدَبِّرُ) والعروج إليه تعالى مجاز عن ثبوته وكتبه في صحف الملائكة و (أَلْفَ سَنَةٍ) على ظاهره و (فِي يَوْمٍ) يتعلق بالفعلين واعمل الثاني كأنه قيل : يدبر الأمر ليوم مقداره كذا ثم يعرج إليه تعالى فيه كما تقول : قصدت ونظرت في الكتاب أي قصدت إلى الكتاب ونظرت فيه ، ولا يمنع اختلاف الصلتين من التنازع ، وتكرار التدبير إلى يوم القيامة يدل عليه العدول إلى المضارع مع أن الأمر ماض كأنه قيل : يجدد هذا الأمر مستمرا ؛ وقيل : المعنى يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة ثم يعرج إليه تعالى ذلك الأمر كله أي يصير إليه سبحانه ليحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة وهو يوم القيامة ، وعليه الأمر بمعنى الشأن والجاران متعلقان به أو بمحذوف حال له كما في سابقه ، والعروج إليه تعالى الصيرورة إليه سبحانه لا ليثبت في صحف الملائكة بل ليحكم جلّ وعلا فيه.
و (فِي يَوْمٍ) متعلق بالعروج ولا تنازع ، والمراد بيوم مقداره كذا يوم القيامة ، ولا ينافي هذا قوله تعالى : (كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] بناء على أحد الوجهين فيه لتفاوت الاستطالة على حسب الشدة أو لأن ثم خمسين موطنا كل موطن ألف سنة ، وقيل : المعنى ينزل الوحي مع جبريل عليهالسلام من السماء إلى الأرض ثم يرجع إليه تعالى ما كان من قبوله أو رده مع جبريل عليهالسلام في يوم مقدار مسافة السير فيه ألف سنة وهو ما بين السماء والأرض هبوطا وصعودا ، فالأمر عليه مراد به الوحي كما في قوله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) [غافر : ١٥] والعروج إليه تعالى عبارة عن خبر القبول والرد مع عروج جبريل عليهالسلام والتدبير والعروج في اليوم لكن على التوسع والتوزيع فالفعلان متنازعان في الظرف ولكن لا اختلاف في الصلة ولا تنافي الآية على هذا قوله تعالى شأنه : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) بناء على الوجه الآخر فيه وستعرفهما إن شاء الله تعالى لأن العروج فيه إلى العرش وفيها الى السماء الدنيا وكلاهما عروج إلى الله تعالى على التجوز.
وقيل : المراد بالأمر المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحات ، والمعنى ينزل سبحانه ذلك مدبرا من السماء إلى الأرض ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه تعالى ذلك المأمور به خالصا يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة الخلص من العباد وعليه (يُدَبِّرُ) مضمن معنى الإنزال ومن وإلى متعلقان به ، ومعنى العروج الصعود كما في قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر : ١٠] والغرض من الألف استطالة المدة ، والمعنى استقلال عبادة الخلص واستطالة مدة ما بين التدبير والوقوع ، و (ثُمَ) للاستبعاد ، واستدل لهذا المعنى بقوله تعالى إثر ذلك : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [الأعراف : ١٠ ، المؤمنون : ٧٨ ، السجدة : ٩] لأن الكلام بعضه مربوط بالبعض وقلة الشكر مع وجود تلك الإنعامات دالة على الاستقلال المذكور.
وقيل : المعنى يدبر أمور الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض وزمان طلوعها إلى أن تغرب وترجع إلى موضعها من الطلوع مقداره في المسافة ألف سنة وهي تقطع ذلك في يوم وليلة. هذا ما قالوه في الآية الكريمة في بيان المراد منها ، ولا يخفى على ذي لب تكلف أكثر هذه الأقوال