ينبغي أن تكون سببا لإزالة الريب عنك في أمر كتابك ؛ ونهيه عليه الصلاة والسلام عن أن يكون في شك المقصود منه نهي أمته صلّى الله تعالى عليه وسلم والتعريض بمن اتصف بذلك ، وقيل المصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف هو ضميره عليه الصلاة والسلام أي من لقائه إياك وصوله إليك ، وفي التعبير باللقاء دون الإيتاء من تعظيم شأنه صلّى الله تعالى عليه وسلم ما لا يخفى على المتدبر ، وقد يقال : إن التعبير به على الوجه السابق مؤذن بالتعظيم أيضا لكن من حيثية أخرى فتدبر.
وقل : الكتاب التوراة وضمير (لِقائِهِ) عائد إليه من غير تقدير مضاف ولا ارتكاب استخدام ، ولقاء مصدر مضاف إلى مفعوله وفاعله موسى أي من لقاء موسى الكتاب أو مضاف إلى فاعله ومفعوله موسى أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه ، فالفاء مثلها في قوله :
ليس الجمال بمئزر |
|
فاعلم وإن رديت بردا |
دخلت على الجملة المعترضة بدل الواو اهتماما بشأنها ، وعن الحسن أن ضمير (لِقائِهِ) عائد على ما تضمنه الكلام من الشدة والمحنة التي لقي موسى عليهالسلام فكأنه قيل : ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من الشدة والمحنة بالناس ، والجملة اعتراضية ولا يخفى بعده ، وأبعد منه بمراحل ما قيل : الضمير لملك الموت الذي تقدم ذكره والجملة اعتراضية أيضا ، بل ينبغي أن يجل كلام الله تعالى عن مثل هذا التخريج. وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال في الآية : أي من لقاء موسى ، وأخرج ابن المنذر ، وغيره عن مجاهد نحوه ، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية أنه قال كذلك فقيل له : أو لقي عليه الصلاة والسلام موسى؟ قال : نعم ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف : ٤٥] وأراد بذلك لقاءه صلّى الله تعالى عليه وسلم إياه ليلة الإسراء كما ذكر في الصحيحين ، وغيرهما ، وروي نحو ذلك عن قتادة وجماعة من السلف ، وقاله المبرد حين امتحن الزجاج بهذه الآية ، وكان المراد من قوله تعالى : «فلا تكن في مرية من لقائه» على هذا وعده تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بلقاء موسى وتكون الآية نازلة قبل الإسراء ، والجملة اعتراضية بالفاء بدل الواو كما سمعت آنفا.
وجعلها مفرعة على ما قبلها غير ظاهر ، وبهذا اعترض بعضهم على هذا التفسير ، وبالفرار إلى الإعراض سلامة من الاعتراض وكأني بك ترجحه على التفسير الأول من بعض الجهات والله تعالى الموفق (وَجَعَلْناهُ) أي الكتاب الذي آتيناه موسى ، وقال قتادة أي وجعلنا موسى عليهالسلام (هُدىً) أي هاديا من الضلالة (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) خصوا بالذكر لما أنهم أكثر المنتفعين به ، وقيل : لأنه لم يتعبد بما في كتابه عليه الصلاة والسلام ولد إسماعيل صلّى الله تعالى عليه وسلم.
(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) قال قتادة : رؤساء في الخير سوى الأنبياء عليهمالسلام ، وقيل : هم الأنبياء الّذين كانوا في بني إسرائيل (يَهْدُونَ) بقيتهم بما في تضاعيف الكتاب من الحكم والأحكام إلى طريق الحق أو يهدونهم إلى ما فيه من دين الله تعالى وشرائعه عزوجل (بِأَمْرِنا) إياهم بأن يهدوا على أن الأمر واحد الأوامر ، وهذا على القول بأنهم أنبياء ظاهر ، وأما على القول بأنهم ليسوا بأنبياء فيجوز أن يكون أمره تعالى إياهم بذلك على حد أمر علماء هذه الأمة بقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) الآية.
وجوز أن يكون الأمر واحد الأمور والمراد يهدون بتوفيقنا (لَمَّا صَبَرُوا) قال قتادة : على ترك الدنيا ، وجوز