قطاع لا يبقي شيئا إلّا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقي شيئا إلّا قطعته بفيها ورجل (١) جروز أي أكول ، قال الراجز :
خب جروز وإذا جاع بكى
وقال الراغب : الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها ، وفي مثل لا ترضى شانئة إلّا بجروزة أي بالاستئصال ، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف ا ه ، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى : (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت ، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام.
وأخرج هو وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنها أرض باليمن ، وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد ، أخرج عنه جماعة أنه قال : الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقرئ «الجرز» بسكون الراء ، وضمير (بِهِ) للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة : المراد فنخرج عنده ، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المزروع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقا فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه : (تَأْكُلُ مِنْهُ) أي من ذلك الزرع (أَنْعامُهُمْ) كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها (وَأَنْفُسُهُمْ) كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان ، وفي البحر يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفا له ولأنه أعظم ما يقصد من النبات ، ويجوز أن يراد به النبات مطلقا ، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله ، وقيل ليترقى من الأدنى إلى الأشرف وهم بنو آدم.
وقرأ أبو حيوة ، وأبو بكر في رواية «يأكل» بالياء التحتية (أَفَلا يُبْصِرُونَ) أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عزوجل ، وجعلت الفاصلة هنا (يُبْصِرُونَ) لأن ما قبله مرئي وفيما قبله (يَسْمَعُونَ) لأن ما قبله مسموع ، وقيل : ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر.
وقرأ ابن مسعود «يبصرون» بالتاء الفوقية (وَيَقُولُونَ) على وجه التكذيب والاستهزاء (مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي الفصل للخصومة بينكم وبيننا ، وكأن هذا متعلق بقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وقيل : أي النصر علينا ، أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن لنا يوما يوشك أن نستريح فيه وننتقم فيه فقال المشركون : متى هذا الفتح إلخ فنزلت (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي في أن الله تعالى هو يفصل بين المحقين والمبطلين ، وقيل : في أن الله تعالى ينصركم علينا.
(قُلْ) تبكيتا لهم وتحقيقا للحق (يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : يوم الفتح يوم القيامة ، وهو كما في البحر منصوب بلا ينفع ، والمراد بالذين كفروا إما أولئك القائلون المستهزءون فالإظهار في مقام الإضمار لتسجيل كفرهم وبيان علة الحكم ، وإما ما يعمهم وغيرهم وحينئذ يعلم حكم أولئك المستهزئين بطريق برهاني ، والمراد من
__________________
(١) قوله جروز أي أكول قال الراغب هو الذي يأكل ما على الخوان ا ه منه.