سبحانه : (الَّذِي أَحْسَنَ) إلخ إشارة إلى التنقل في أطوار الحسن والعروج في معارجه فكم بين الطين والإنسان السميع البصير العالم فإن الإنسان مشكاة أنوار الذات والصفات والطين بالنسبة إليه كلا شيء (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) إشارة إلى حال كاملي الإيمان وعلو شأن السجود والتسبيح والتحميد والتواضع لعظمته عزوجل (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) إشارة إلى سهرهم في مناجاة محبوبهم وملاحظة جلاله وجماله ، وفي قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي من المعارف وأنواع الفيوضات (يُنْفِقُونَ) إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كما لهم في أنفسهم وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا ، والعذاب الأكبر العذاب على ذلك.
وقال بعضهم : الأول التعب في طلب الدنيا والثاني شتات السر ، وقيل : الأول حرمان المعرفة والثاني الاحتجاب عن مشاهدة المعروف ، وقيل : الأول الهوان والثاني الخذلان (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف وهو الصبر على مشاق العبادات وأنواع البليات وحبس النفس عن ملاذ الشهوات والإيقان بالآيات فمن يدعي الإرشاد وهو غير متصف بما ذكر فهو ضال مضلل (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) فيه إشارة إلى أنه ينبغي الإعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين والسالكين إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة وإلى أنهم هالكون لا محال فإن الإنكار الذي لا يعذر صاحبه سمّ قاتل وسهم هدفه المقاتل نعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور بحرمة حبيبة إلّا كرم صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم.