بالتقوى كان من حقها أن لا يكون في القلب تقوى غير الله تعالى فإن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما لله تعالى وبالآخر غيره سبحانه إلّا بصرف القلب عن جهة الله تعالى إلى غيره جلّ وعلا ولا يليق ذلك بمن يتقي الله تعالى حق تقاته ، وعن أبي مسلم أنه متصل بقوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ٤٨] حيث جيء به للرد عليهم ، والمعنى ليس لأحد قلبان يؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر وإنما هو قلب واحد فإما أن يؤمن وإما أن يكفر ، وقيل : هو متصل ـ بلا تطع واتبع ـ والمعنى أنه لا يمكن الجمع بين اتباعين متضادين اتباع الوحي والقرآن واتباع أهل الكفر الطغيان فكني عن ذلك بذكر القلبين لأن الاتباع يصدر عن الاعتقاد وهو من أفعال القلوب فكما لا يجمع قلبان في جوف واحد لا يجمع اعتقادان متضادان في قلب واحد ، وقيل : هو متصل بقوله تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) من حيث إنه مشعر بوحدته عزوجل فكأنه قيل : وتوكل على الله وكفى به تعالى وكيلا فإنه سبحانه وتعالى وحده المدبر لأمور العالم ، ثم أشار سبحانه وتعالى إلى أن أمر الرجل الواحد لا ينتظم ومعه قلبان فكيف تنتظم أمور العالم وله إلهان ، وقيل : إن ذاك مسوق للتنفير عن إطاعة الكفرة والمنافقين بحكاية أباطيلهم ، وذكر أن قوله تعالى : (ما جَعَلَ) إلخ ضرب مثلا للظهار والتبني أي كما لا يكون لرجل قلبان لا تكون المظاهرة أما والمتنبي ، ابنا ، وجعل المذكورات الثلاث بجملتها مثلا فيما لا حقيقة له وارتضى ذلك غير واحد ، وقال الطيبي : إن هذا أنسب لنظم القرآن لأنه تعالى نسق المنفيات الثلاث عن ترتيب واحد ، وجعل سبحانه قوله جلّ وعلا : (ذلِكُمْ) فذلكة لها ثم حكم تعالى بأن ذلك قول لا حقيقة له ، وثم ذيل سبحانه وتعالى الكل بقوله تعالى : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) وتعقبه في الكشف بأن سبب النزول وقوله سبحانه بعد التذييل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الآية شاهد أصدق بأن الأول مضروب للتبني ثم إنهم ما كانوا يجعلون الأزواج أمهات بل كانوا يجعلون اللفظ طلاقا فإدخاله في قرن مسألة التبني استطرادا هو الوجه لا أنه قول لا حقيقة له كالأول.
وانتصر الخفاجي للجماعة فقال : لو كان مثلا للتبني فقط لم يفصل منه ، وكون القلبين لرجل وجعل المتبنى ابنا في جميع الأحكام مما لا حقيقة له في نفس الأمر ولا في شرع ظاهر ، وكذا جعل الأزواج كالأمهات في الحرمة المؤبدة مطلقا من مخترعاتهم التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي فلا حقيقة له أيضا فما ادعاه غير وارد عليهم لا سيما مع مخالفته لما روي عنهم انتهى ، ويد الله تعالى مع الجماعة ، وبين الطيبي نظم الآيات من مفتتح السورة إلى هاهنا فقال : إن الاستهلال بقوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) دال على أن الخطاب مشتمل على التنبيه على أمر معتنى بشأنه لائح فيه معنى التهيج والإلهاب ، ومن ثم عطف عليه (وَلا تُطِعِ) كما يعطف الخاص على العام وأردف النهي بالأمر على نحو قولك لا تطع من يخذلك واتبع ناصرك ، ولا يبعد أن يسمى بالطرد والعكس ، ثم أمر بالتوكل تشجيعا على مخالفة أعداء الدين والالتجاء إلى حريم جلال الله تعالى ليكفيه شرورهم ، ثم عقب سبحانه كلا من تلك الأوامر على سبيل التتميم والتذييل بما يطابقه ، وعلل قوله تعالى (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) بقوله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) تتميما للارتداع أي اتق الله فيما تأتي وتذر في سرك وعلانيتك لأنه تعالى عليم بالأحوال كلها يجب أن يحذر من سخطه حكيم لا يحب متابعة حبيبه أعداءه ، وعلل قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) تتميما أيضا أي اتبع الحق ولا تتبع أهواءهم الباطلة وآراءهم الزائغة لأن الله تعالى يعلم عملك وعملهم فيكافئ كلا ما يستحقه وذيل سبحانه وتعالى قوله تبارك وتعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) بقوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) تقريرا وتوكيدا على منوال فلان ينطبق بالحق والحق أبلج يعني من حق من يكون كافيا لكل الأمور أن تفوض الأمور إليه وتوكل عليه ، وفصل قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ