ثقيل فاستعير للمعاني من الذنوب والآثام ، وقرأ أبو السمال عن طلحة وإبراهيم عن الكسائي «لا تحمل» بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الميم وتقتضي هذه القراءة نصب شيء على أنه مفعول به لتحمل وفاعله ضمير عائد على مفعول تدعو المحذوف أي وإن تدع مثقلة نفسا إلى حملها لم تحمل منه شيئا (وَلَوْ كانَ) أي المدعو المفهوم من الدعوة (ذا قُرْبى) ذا قرابة من الداعي ، وقال ابن عطية : اسم كان ضمير الداعي أي ولو كان الداعي ذا قرابة من المدعو ، والأول أحسن لأن الداعي هو المثقلة بعينه فيكون الظاهر عود الضمير عليه وتأنيثه.
وقول أبي حيان ذكر الضمير حملا على المعنى لأن قوله تعالى : (مُثْقَلَةٌ) لا يراد بها مؤنث المعنى فقط بل كل شخص فكأنه قيل وإن يدع شخص مثقل لا يخفي ما فيه. وقرئ ولو كان «ذو قربى» بالرفع ، وخرج على أن (كانَ) ناقصة أيضا و«ذو قربى» اسمها والخبر محذوف أي ولو كان ذو قربى مدعوا ، وجوز أن تكون تامة. وتعقب بأنه لا يلتئم معها النظم الجليل لأن الجملة الشرطية كالتتميم والمبالغة في أن لا غياث أصلا فيقتضي أن يكون المعنى أن المثقلة إن دعت أحدا إلى حملها لا يجيبها إلى ما دعته إليه ولو كان ذو القربى مدعوا ، ولو قلنا إن المثقلة إن دعت أحدا إلى حملها لا يحمل مدعوها شيئا ولو حضر ذو قربى لم يحسن ذلك الحسن ، وملاحظة كون ذي القربى مدعوا بقرينة السياق أو تقدير فدعته كما فعل أبو حيان خلاف الظاهر فيخفى عليه أمر الانتظام (إِنَّما تُنْذِرُ) إلخ استئناف مسوق لبيان من يتعظ بما ذكر أي إنما تنذر بهذه الإنذارات ونحوها (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي يخشونه تعالى غائبين عن عذابه سبحانه أو عن الناس في خلواتهم أو يخشون عذاب ربهم غائبا عنهم فالجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي راعوها كما ينبغي وجعلوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا أي إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والعناد ، ونكتة اختلاف الفعلين تعلم مما مر في قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) فتذكر ما في العهد من قدم.
(وَمَنْ تَزَكَّى) تطهر من أدناس الأوزار والمعاصي بالتأثر من هذا الإنذارات (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها ، والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة فهذا تقرير وحث عليهما.
وقرأ العباس عن أبي عمرو «ومن يزكي فإنما يزكي» بالياء من تحت وشد الزاي فيهما وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى فإنما يتزكى فأدغمت التاء في الزاي كما أدغمت في يذكرون ، وقرأ ابن مسعود وطلحة «ومن أزكى» بإدغام التاء في الزاي واجتلاب همزة الوصل في الابتداء ، وطلحة أيضا «فإنما تزكى» بإدغام التاء في الزاي (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) لا إلى أحد غيره استقلالا أو اشتراكا فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) عطف على قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) والأعمى والبصير مثلان للكافر والمؤمن كما قال قتادة والسدي وغيرهما.
وقيل : هما مثلان للصنم ولله عزوجل فهو من تتمة قوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) والمعنى لا يستوي الله تعالى مع ما عبدتم (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) أي ولا الباطل ولا الحق (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) ولا الثواب ولا العقاب ، وقيل : ولا الجنة ولا النار ، والحرور فعول من الحر وأطلق كما حكي عن الفراء على شدة الحر ليلا أو نهارا ، وقال أبو البقاء : هو شدة حر الشمس ، وفي الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار ، وقيل : بالليل (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) تمثيل آخر للمؤمنين الذين دخلوا في الدين بعد البعثة والكافرين الذين أصروا واستكبروا فالتعريف كما قال الطيبي للعهد ، وقيل : للعلماء والجهلاء.
والثعالبي جعل الأعمى والبصير مثلين لهما وليس بذاك (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) أي يسمعه ويجعله مدركا