ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(٦٠)
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الصيادين والغاصة ومحق البركات من كل شيء وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضارع ، وعن ابن عباس أجدبت الأرض وانقطعت مادة البحر وقالوا : إذا انقطع القطر عميت دواب البحر ، وقال مجاهد : ظهر الفساد في البر بقتل ابن آدم أخاه وفي البحر بأخذ السفن غصبا ، وفي رواية عن ابن عباس بأخذ جلندي كل سفينة غصبا ، ولعل المراد التمثيل ، وكذا يقال في قتل ابن آدم أخاه وكان أول معصية ظهرت في البر ؛ قال الضحاك : كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان ماء البحر عذبا وكان لا يفترس الأسد البقر ولا الذئب الغنم فلما قتل قابيل هابيل اقشعر ما في الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصد الحيوان بعضه بعضا.
وذكر أن أول معصية في البحر غصب جلندي كل سفينة تمر عليه فكأن تخصيص الآمرين بالذكر لذلك ، وأيا ما كان فالبر والبحر على ظاهرهما ، وعن مجاهد البر البلاد البعيدة من البحر والبحر السواحل والمدن التي عند البحر والأنهار ، وقال قتادة : البر الفيافي ومواضع القبائل وأهل الصحارى والعمود والبحر المدن ، والعرب تسمي الأمصار بحارا لسعتها ، ومنه قول سعد بن عبادة في عبد الله بن أبي ابن سلول ، ولقد أجمع أهل هذه البحيرة يعني المدينة ليتوجوه.
قال أبو حيان : ويؤيد هذا قراءة عكرمة «والبحور» بالجمع ورويت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وجوز النحاس أن يكون البحر على ظاهره إلا أن الكلام على حذف مضاف أي مدن البحر فهو مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] وجوز أيضا أن يراد بالفساد المعاصي من قطع الطريق والظلم وغيرهما ، و(أل) في (الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) للجنس وكذا في (الْفَسادُ) أي ظهر جنس الفساد من الجدب والموتان ونحوهما في جنس البر وجنس البحر (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) أي بسبب ما فعله الناس من المعاصي والذنوب وشؤمه وهذا كقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] وهو على التفسير الأول للفساد ظاهر وأما على تفسيره بالمعاصي فالمعنى ظهرت المعاصي في البر والبحر بكسب الناس إياها وفعلهم لها ، ومعنى قوله تعالى : (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) على الأول ظاهر وهو أن الله تعالى قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة لعلهم يرجعون عما هم عليه وأما على الثاني فاللام مجاز على معنى أن ظهور المعاصي بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم الله تعالى وبال أعمالهم إرادة الرجوع فكأنهم إنما فسدوا وتسببوا لفشو المعاصي في الأرض لأجل ذلك.