(مُبَشِّراتٍ) باعتبار المعنى فإن الحال قد يقصد بها التعليل نحو أهن زيدا مسيئا أي لإساءته فكأنه قيل : لتبشركم وليذيقكم ، وكونه من عطف التوهم أو توهم على (يُرْسِلَ) بإضمار فعل معلل والتقدير ويرسلها ليذيقكم ، وكون التقدير ويجري الرياح ليذيقكم بعيد قيل : أو على جملة ومن آياته إلخ بتقدير وليذيقكم أرسلها أو فعل ما فعل ، ولم يعتبره بعضهم لأن المقصود اندراج الإذاقة في الآيات ، وقيل : الواو زائدة (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) في البحر عند هبوبها (بِأَمْرِهِ) عزوجل وإنما جيء بهذا القيد لأن الريح قد تهب ولا تكون مؤاتية فلا بد من انضمام إرادته تعالى وأمره سبحانه للريح حتى يتأتى المطلوب ، وقيل : للإشارة إلى أن هبوبها مواتية أمر من أموره تعالى التي لا يقدر عليها غيره عزوجل (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بتجارة البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي ولتشكروا نعمة الله تعالى فيما ذكر (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) اعتراض لتسليته صلىاللهعليهوسلم بمن قبله على وجه يتضمن الوعد له عليه الصلاة والسلام والوعيد لمن عصاه ، وفي ذلك أيضا تحذير عن الإخلال بمواجب الشكر.
والمراد بقومهم أقوامهم والإفراد للاختصار حيث لا لبس والمعنى ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى أقوامهم كما أرسلناك إلى قومك (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي جاء كل قوم رسولهم بما يخصه من البينات كما جئت قومك ببيناتك (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) الفاء فصيحة أي فآمن بعض وكذب بعض فانتقمنا ، وقيل : أي فكذبوهم فانتقمنا منهم ووضع الموصول موضع ضميرهم للإشعار بالعلة والتنبيه على مكان المحذوف ، وجوز أن تكون تفصيلا للعموم بأن فيهم مجرما مقهورا ومؤمنا منصورا (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) فيه مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على الله تعالى أن ينصرهم وإشعار بأن الانتقام لأجلهم ، والمراد بهم ما يشمل الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وجوز تخصيص ذلك بالرسل بجعل التعريف عهديا ، وظاهر الآية أن هذا النصر في الدنيا ، وفي بعض الآثار ما يشعر بعدم اختصاصه بها وأنه عام لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من الأمة.
أخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله تعالى أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا عليه الصلاة والسلام وكان حقا علينا نصر المؤمنين» وفي هذا إشعار بأن (حَقًّا) خبر كان و (نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الاسم كما هو الظاهر ، وإنما آخر الاسم لكون ما تعلق به فاصلة وللاهتمام بالخبر إذ هو محط الفائدة على ما في البحر.
قال ابن عطية : ووقف بعض القراء على (حَقًّا) على أن اسم كان ضمير الانتقام أي وكان الانتقام حقا وعدلا لا ظلما ، ورجوعه إليه على حد (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] و (عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) جملة مستأنفة وهو خلاف الظاهر المؤيد بالخبر وإن لم يكن فيه محذور من حيث المعنى (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) استئناف مسوق لبيان ما أجمل فيما سيق من أحوال الرياح (فَتُثِيرُ سَحاباً) تحركه وتنشره (فَيَبْسُطُهُ) بسطا تاما متصلا تارة (فِي السَّماءِ) في سمتها لا في نفس السماء بالمعنى المتبادر (كَيْفَ يَشاءُ) سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك فالجملة الإنشائية حال بالتأويل (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) أي قطعا تارة أخرى.
وقرأ ابن عامر بسكون السين على أنه مخفف من المفتوح أو جمع كسفة أي قطعة أو مصدر كعلم وصف به مبالغة أو بتأويله بالمفعول أو بتقدير ذا كسف (فَتَرَى) يا من يصح منه الرؤية (الْوَدْقَ) أي المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي فرجه جمع خلل في التارتين الاتصال والتقطع فالضمير للسحاب وهو اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه ، وجوز على قراءة «كسفا» بالسكون أن يكون له ، وليس بشيء.
(فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بلادهم وأراضيهم ، والباء في (بِهِ) للتعدية (إِذا هُمْ(١) َيسْتَبْشِرُونَ)