وَباطِنَةً) في قراءة التعريف على الحالية وفي قراءة التنكير على الوصفية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) من الجدال وهو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله كان المتجادلين يفتل كل منهما صاحبه عن رأيه وقيل : الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة وكأن الجملة في موضع الحال من ضميره تعالى فيما قيل أي ألم تروا إن الله سبحانه فعل ما فعل من الأمور الدالة على وحدته سبحانه وقدرته عزوجل والحال من الناس من ينازع ويخاصم كالنضر بن الحارث وأبي ابن خلف كانا يجادلان النبي صلىاللهعليهوسلم (فِي اللهِ) أي في توحيده عزوجل وصفاته جلّ شأنه كالمشركين المنكرين وحدته سبحانه وعموم قدرته جلت قدرته وشمولها للبعث ولم يقل فيه بدل في الله بإرجاع الضمير للاسم الجليل في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ) تهويلا لأمر الجدال (بِغَيْرِ عِلْمٍ) مستفاد من دليل عقلي (وَلا هُدىً) راجع إلى رسول مأخوذ منه ، وجوز جعل الهدى نفس الرسول مبالغة وفيه بعد (وَلا كِتابٍ) أنزله الله تعالى (مُنِيرٍ) أي ذي نور والمراد به واضح الدلالة على المقصود ، وقيل : منقذ من ظلمة الجهل والضلال بل يجادلون بمجرد التقليد كما قال سبحانه (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي لمن يجادل والجمع باعتبار المعنى (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يريدون عبادة ما عبدوه من دون الله عزوجل ، وهذا ظاهر في منع التقليد في أصول الدين والمسألة خلافية فالذي ذهب إليه الأكثرون ورجحه الإمام الرازي والآمدي أنه لا يجوز التقليد في الأصول بل يجب النظر والذي ذهب إليه عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة الجواز وربما قال بعضهم أنه الواجب على المكلف وإن النظر في ذلك والاجتهاد فيه حرام ، وعلى كل يصح عقائد المقلد المحق وإن كان آثما بترك النظر على الأول ، وعن الأشعري أنه لا يصح إيمانه ، وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : هذا مكذوب عليه لما يلزمه تكفير العوام وهم غالب المؤمنين ، والتحقيق أنه إن كان التقليد أخذا لقول الغير بغير حجة مع احتمال شك ووهم بأن لا يجزم المقلد فلا يكفي إيمانه قطعا لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه وإن كان لكن جزما فيكفي عند الأشعري وغيره خلافا لأبي هاشم في قوله لا يكفي بل لا بد لصحة الإيمان من النظر ، وذكر الخفاجي أنه لا خلاف في امتناع تقليد من لم يعلم أنه مستند الى دليل حق ، وظاهر ذم المجادلين بغير علم ولا هدى ولا كتاب أنه يكفي في النظر الدليل النقلي الحق كما يكفي فيه الدليل العقلي.
(أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ) أي يدعو آباءهم لا أنفسهم كما قيل : فإن مدار إنكار الاستتباع كون المتبوعين تابعين للشياطين وينادي عليه قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة : ١٧٠] بعد قوله سبحانه : (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [البقرة : ١٧٠] ويعلم منه حال رجوع الضمير الى المجموع أي أولئك المجادلين وآباؤهم (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) أي إلى ما يؤول إليه أو يتسبب منه من الإشراك وإنكار شمول قدرته عزوجل للبعث ونحو ذلك من الضلالات ، وجوز بقاء (عَذابِ السَّعِيرِ) على حقيقته والاستفهام للإنكار ويفهم التعجيب من السياق أو للتعجيب ويفهم الإنكار من السياق والواو حالية والمعنى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب ، وجوز كون الواو عاطفة على مقدر أي أيتبعونهم لو لم يكن الشيطان يدعوهم الى العذاب ولو كان يدعوهم إليه ، وهما قولان مشهوران في الواو الداخلة على (لَوْ) الوصلية ونحوها ، وكذا في احتياجها إلى الجواب قولان قول بالاحتياج وقول بعدمه لانسلاخها عن معنى الشرط ، ومن ذهب إلى الأول قدره هنا لا يتبعوهم وهم مما لا غبار عليه على تقدير كون الواو عاطفة ، وأما على تقدير كونها حالية فزعم بعضهم أنه لا يتسنى وفيه نظر ، وقد مرّ الكلام على نحو هذه الآية الكريمة فتذكر.