والذي عندي أنها كانت في الأصل صخرة قطعت من الأرض محلا للمائدة النازلة من من السماء ، وكلّ ما حولها حجارة مثلها ، وكان ما حولها محفوفا بقصور ، وقد نحت في ذلك الحجر الصلد بيوت ، أبوابها منها ، ومجالسها منها مقطوعة فيها ، وحناياها في جوانبها ، وبيوت خدمتها قد صوّرت من الحجر ، كما تصوّر من الطين والخشب ، فإذا دخلت في قصر من قصورها ورددت الباب وجعلت من ورائه صخرة كثمن درهم لم يفتحه أهل الأرض للصوقه بالأرض ؛ فإذا هبّت الريح وحثت تحته التراب لم يفتح [إلا] (١) بعد صبّ الماء تحته والإكثار منه ، حتى يسيل بالتراب وينفرج منعرج الباب ، وقد مات بها (٢) قوم بهذه العلة (٣) ، وقد كنت أخلو فيها كثيرا للدرس ، ولكني كنت في كل حين أكنس حول الباب مخافة مما جرى لغيري فيها ، وقد شرحت أمرها في كتاب ترتيب الرحلة بأكثر من هذا.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (أَوْفُوا) :
يقال : وفي وأوفى. قال أهل العربية : واللغتان في القرآن ؛ قال الله تعالى (٤) : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ). وقال شاعر العرب (٥) :
أمّا ابن طوق فقد أوفى بذمّته |
|
كما وفى بقلاص النجم (٦) حاديها |
فجمع بين اللغتين.
وقال الله تعالى (٧) : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من وفّى منكم فأجره على الله.
المسألة السادسة ـ العقود : واحدها عقد ، وفي ذلك خمسة أقوال :
القول الأول : العقود : العهود ؛ قاله ابن عباس (٨).
الثاني : حلف الجاهلية ؛ قاله قتادة. وروى عن ابن عباس ، والضحاك ، ومجاهد ، والثوري.
__________________
(١) من ل.
(٢) في ل : فيها.
(٣) في ل : الغلة.
(٤) سورة التوبة ، آية ١١١.
(٥) البيت لطفيل الغنوي. اللسان ـ والقرطبي : ٦ ـ ٣٢
(٦) قلاص النجم هي العشرون نجما التي ساقها الدبران في خطبة الثريا ـ كما تزعم العرب. وفي ا : فلاص النجب ـ وهو تحريف.
(٧) سورة النجم ، آية ٣٧.
(٨) في أحكام الجصاص : ٣ ـ ٢٨٢ روى عن ابن عباس ، ومجاهد ، ومطرف ، والربيع ، والضحاك ، والسدى ، وابن جريج ، والثوري.