ييبسها مائة عام ، وقومه يسخرون منه ، وذلك لما رأوه يصنع ذلك ، حتى كان من قضاء الله فيهم ما كان.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى (١) : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وذلك نصر في ذكر الله في كل حال ، وعلى كل أمر.
وقد روى الدارقطني وغيره : كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه ، حتى قال جماعة ، إنه يقول بسم الله مع النية في الوضوء ، حتى يجمع بين الذكر والنية ، ومن أشده في الندب ذكر الله في ابتداء الشراب والطعام ، ومن الوجوب فيه ذكر الله عند الذبح ، كما تقدم ذكره في سورة الأنعام (٢) وغير ذلك من تعديد مواضعه.
المسألة الثالثة ـ قال : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ).
قال علماؤنا : لما استنقذ الله من في الأصلاب والأرحام من المؤمنين أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن فاصنع الفلك. قال : يا رب ، ما أنا بنجّار ، قال : بلى ، فإن ذلك بعيني ، فأخذ القدوم ، فجعلت يده لا تخطئ ، فجعلوا يمرّون به فيقولون : هذا النبىّ الذي يزعم أنه نبىّ قد صار نجّارا ، فعملها في أربعين سنة ، ثم أوحى الله إليه أن احمل فيها من كلّ زوجين اثنين ، فحمل فيها ، فأرسل الله الماء من السماء ، وفتح الأرض ، ولجأ ابن نوح إلى جبل ، فعلا الماء على الجبل سبعة عشر ذراعا ، وذلك قوله (٣) : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) يعنى عنه ـ إلى قوله : (مِنَ الْجاهِلِينَ).
قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربّه لأجل قول الله : احمل فيها من كلّ زوجين ... إلى : وأهلك ، وترك نوح قوله : إلا من سبق عليه القول منهم ، لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله : من كلّ زوجين اثنين ، وحمله الرجاء على ذلك ، فأعلمه الله أنّ الاستثناء عائد إلى الكل ، وأنه قد سبق القول على بعض أهله ، كما سبق على بعض من الزوجين ، وأن الذي سبق عليه القول من أهله هو ابنه تسلية للخلق في فساد أبنائهم ، وإن كانوا صالحين ، ونشأت عليه
__________________
(١) آية ٤١.
(٢) صفحة ٧٣٧ من الجزء الثاني.
(٣) آية ٤٥ ، ٤٦.