القيامة نزل إلى العباد ليقضى بينهم ، وكلّ أمة جاثية ، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله للقارئ : ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال : بلى يا رب. قال : فماذا عملت فيما علمت؟ قال : كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله جل ثناؤه : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله جل جلاله : بل أردت أن يقال فلان قارئ ، فقد قيل ذلك.
ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله تعالى : أو لم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ فيقول : بلى يا ربّ. فيقول : فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدّق ، فيقول الله : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال فلان جواد ، فقد قيل لك ذلك.
ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله ، فيقال له : في ما ذا قتلت؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قلت. فيقول الله : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال فلان جريء ، فقد قيل ذلك.
ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتىّ وقال : يا أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أوّل خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة. ثم قال تعالى (١) : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ. وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى في الدنيا ، وهذا نصّ في مراد الآية ، والله أعلم.
الآية الثانية ـ في قصة نوح (٢) :
وفيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ روى ابن القاسم ، عن ابن أشرس ، عن مالك ، قال : بلغني أنّ قوم نوح ملئوا الأرض حتى ملئوا السهل والجبل ، فما يستطيع هؤلاء أن ينزلوا إلى هؤلاء ولا هؤلاء أن ينزلوا مع هؤلاء ، فلبث نوح يغرس الشجر مائة عام لعمل السفينة ، ثم جمعها
__________________
(١) سورة هود ، آية ١٦.
(٢) من الآية ٢٥ إلى آية ٤٨ من السورة.