المسألة الأولى ـ قد بيّنّا في الرسالة الملجئة إعراب الآية ، وقد قال الطبرىّ : إنه عمل في «سلام» الأول القول ، كأنه قال : قالوا قولا وسلّموا سلاما. وقال الزجاج : معناه سلمنا سلاما. قال شيخنا أبو عبد الله المغربي : إنّ نصبه على المصدر أظهر وجوهه ، لأنه إن عمل فيه القول كان على معنى السلام ، ولم يكن عمل لفظه ، كأنه أخبر أنه على المعنى ، كما تقول : قلت حقا ، ولم ينطق بالحاء والقاف ، وإنما قلت قولا معناه حق ، وهم إنما تكلّموا بسلام ، ولذا أجابهم بالسلام ، وعلى هذا جرى قراءة من قرأ. قال : فإنه يقول أمرى سلام ، أجابهم على المعنى.
المسألة الثانية ـ قال علماؤنا قوله : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) يدلّ على أن تحية الملائكة هي تحية بنى آدم.
قال القاضي الإمام : الصحيح أنّ «سلاما» هاهنا معنى كلامهم لا لفظه ، وكذلك هو في قوله (١) : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) ، ولو كان لفظ كلامهم سلام عليكم فإنه لم يقصد ذكر اللفظ ، وإنما قصد ذكر المعنى الذي يدلّ عليه لفظ سلام. ألا ترى أنّ الله سبحانه لما أراد ذكر اللفظ قاله بعينه ، فقال مخبرا عن الملائكة (٢) : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ). (سَلامٌ) (٣) (عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ). وأبدع منه في الدلالة أنه قال (٤) : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ ، سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ). وقال أيضا (٥) : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ).
المسألة الثالثة ـ قال علماؤنا : قوله : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) يدلّ على أن السلام يردّ بمثله ، كما روى ابن وهب عن مالك عن أبى جعفر القاري ، قال : كنت مع ابن عمر فيسلم عليه ، فيقول : السلام عليكم ، ويردّ كما يقال.
قال القاضي الإمام : هذا على أنّ القول هاهنا سلام بلفظه أو بمعناه ، كما تقدم بيانه.
__________________
(١) سورة الفرقان ، آية ٦٣.
(٢) سورة الرعد ، آية ٢٦.
(٣) سورة الزمر ، آية ٧٣.
(٤) سورة الصافات ، آية ١٢٠ ، ١٢١.
(٥) سورة الصافات ، آية ١٣٠.