المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) قدّمه إليهم نزلا وضيافة ، وهو أول من ضيّف الضيف حسبما ورد في الحديث.
وفي الإسرائيليات أنه كان لا يأكل وحده ، فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه ، فلقى يوما رجلا فلما جلس معه على الطعام قال له إبراهيم : سمّ الله. قال له الرجل : لا أدرى ما الله ، قال له : فاخرج عن طعامي. فلما خرج الرجل نزل إليه جبريل فقال له : يقول [الله] (١) : إنه يرزقه على كفره مدى عمره ، وأنت بخلت عليه بلقمة ، فخرج إبراهيم مسرعا (٢) فردّه ، فقال : [ارجع ، قال] (٣) : لا أرجع ، تخرجني ثم تردّنى لغير معنى! فأخبره بالأمر ، فقال : هذا ربّ (٤) كريم. آمنت ، ودخل وسمّى الله ، وأكل مؤمنا.
المسألة الخامسة ـ ذهب الليث بن سعد من العلماء إلى أن الضيافة واجبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، جائزته (٥) يوم وليلة وما وراء ذلك صدقة. وفي رواية [أنه قال] (٦) : ثلاثة أيام ، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه. وهذا حديث [صحيح] (٧) خرجه الأئمة ولفظه للترمذي.
وذهب علماء الفقه إلى أنّ الضيافة لا تجب ، وإنما هي من مكارم الأخلاق وحسن المعاملة بين الخلق ، وتأوّلوا هذا الحديث بأنه (٨) محمول على النّدب ، بدليل قوله : فليكرم ضيفه ، والكرامة من خصائص الندب دون الوجوب.
وقد قال قوم : إنّ هذا كان في صدر الإسلام ، ثم نسخ ، وهذا ضعيف ، فإن الوجوب لم يثبت والناسخ لم يرد.
أما أنه قد روى الأئمة عن أبى سعيد الخدري أنه قال : نزلنا بحي من [أحياء] (٩) العرب فاستضفناهم ، فأبوا ، فلدغ سيّد ذلك الحي فسعوا (١٠) له بكل شيء فلم ينفعه. فقال بعضهم :
__________________
(١) من م.
(٢) في م : فزعا.
(٣) من م.
(٤) في م : هذا رزق كريم.
(٥) في م : حتى :
(٦) من م.
(٧) من م وانظر صحيح مسلم : ١٣٥٣.
(٨) في م : بأمر.
(٩) من م.
(١٠) في م : فأتوا إليه. (٢ ـ أحكام ـ ٣)