لو أتيتم هؤلاء الرّهط الذين نزلوا ، لعله أن يكون عندهم شيء ، فقالوا : يا أيها الرهط ، إن سيدنا لدغ ، وقد سعينا له بكل شيء فلم ينفعه ، فهل عند أحد (١) منكم شيء؟ قال بعضهم : إنى والله أرقى ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ الحمد لله رب العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشى وما به قلبة (٢). قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم : اقسموا ، وقال الذي رقى : لا تفعلوا ، حتى نأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان ، فننظر الذي يأمر به. فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له [ذلك] (٣) ، فقال : وما يدريك أنها رقية ، ثم قال : اقسموا واضربوا لي معكم سهما. فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم.
فقوله في هذا الحديث : فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقّا للام النبىّ صلى الله عليه وسلم القوم الذين أبوا وبيّن (٤) ذلك لهم ، ولكن الضيافة حقيقة فرض على الكفاية ، ومن الناس من قال : إنها واجبة في القرى حيث لا طعام ولا مأوى ، بخلاف الحواضر ، فإنها مشحونة بالمأويات (٥) والأقوات ، ولا شكّ أن الضيف كريم ، والضيافة كرامة ، فإن كان عديما (٦) فهي فريضة.
المسألة السادسة ـ قوله [تعالى] (٧) : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ).
قال كبراء النحويين : فما لبث حتى جاء بعجل حنيذ ، وأعجب لهم كيف استجازوا ذلك مع سعة معرفتهم. وقال غيرهم ما قد استوفينا ذكره في الملجئة ، وحققنا [أن موضع] (٨) «أن جاء» منصوب على حكم المفعول.
المسألة السابعة ـ مبادرة إبراهيم بالنّزول حين ظنّ أنهم أضياف مشكورة (٩) من الله متلوّة من كلامه في الثناء بها عليه ، تبيّن (١٠) ذلك من إنزاله فيه حين قال في موضع : فجاء
__________________
(١) في م : فهل عندكم من شيء.
(٢) يقال : ما به قلبة : أى داء وتعب.
(٣) من م.
(٤) في م : ليبين.
(٥) في م : بالمياه. وهي جمع مأواة.
(٦) في م : عربيا.
(٧) من م.
(٨) ليس في م.
(٩) في ا : مشهورة.
(١٠) في م : مبين.