وقال جماعة : هي الصلوات الخمس ، وبه قال مالك ، وعليه يدلّ أول الآية في ذكر الصلاة ، فعليه يرجع آخرها ، وعليه يدلّ الحديث الصحيح : الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينهن ما اجتنبت المقتلة. وروى : ما اجتنبت الكبائر. وكل ذلك في الصحيح.
وقد روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أعرض عنه وأقيمت صلاة العصر ، فلما فرغ منها نزل عليه جبريل بالآية فدعاه فقال له : أشهدت معنا الصلاة؟ قال : نعم ، قال : اذهب فإنها كفّارة لما فعلت. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا هذه الآية قال له : قم فصلّ أربع ركعات ، والله أعلم.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (١) : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ، وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ في معنى الأمّة (٢) :
وقد قدمنا الإشارة إليها ، وجمع بعض العلماء فيها نيفا وثلاثين معنى ، وهي هاهنا بمعنى الجماعة ، يعنى جماعة واحدة على دين واحد. كما يقال : كان الناس أمة واحدة ، أى: جماعة على دين واحد.
المسألة الثانية ـ قال قتادة : معناه لو شاء ربّك لجعل الناس كلهم مسلمين. وقيل معناه : لجعلهم كفّارا أجمعين. وهذه آية لا يؤمن بها إلا أهل السنة الذين يعتقدون ما قام الدليل عليه من أنّ الله سبحانه يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وأنّ مشيئته وإرادته تتعلق بالخير والشر ، والإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية.
والأولى عندي أن يكون المعنّى هاهنا بالآية المسلمين ، تقديرها : لو شاء ربك لجعل الخلق كلّهم مسلمين ، ولكنه قسمهم إلى الإسلام والكفر بحكمته وسابق علمه ومشيئته.
__________________
(١) آية ١١٨ ، ١١٩.
(٢) في ا : الآية ـ وهو تحريف ، صوابه من م.