المسألة الأولى ـ أكره يوسف على الفاحشة بالسجن ، وأقام فيه سبعة أعوام ، وما رضى بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره ، ولو أكره رجل بالسجن على الزنا ما جاز له ذلك إجماعا ، فإن أكره بالضرب فاختلف فيه العلماء ، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط إثم الزنا وحده.
وقال بعض علمائنا : إن الإكراه لا يسقط الحدّ ، وهو ضعيف ، فإن الله لا يجمع على عبده العذابين ، ولا يصرفه بين البلاءين ، فإنه من أعظم الحرج في الدّين ، وصبر يوسف على السجن ، واستعاذ من الكيد فقال : وإلّا تصرف عنى كيدهنّ ...... الآيتين.
المسألة الثانية ـ قوله : أحبّ بناء أفعل في التفضيل يكون للمشتركين في الشيء ، ولأحدهما المزيد (١) في المشترك فيه على الآخر ، ولم يكن المدعوّ إليه حبيبا إلى يوسف ، ولكنه كنحو القول : الجنة أحبّ إلىّ من النار ، والعافية أحب إلى [قلبي] (٢) من البلاء وقد بيناه فيما تقدم من كلامنا.
الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٣) : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ روى أنّ الفتيين لما صحباه في السجن وكلّماه ، ورأيا فضله وأدبه وفهمه سألاه عن الذي قالا إنهما رأياه من أمر الخمر والخبز ، فأعرض يوسف عنهما ، وأخذ في حديث آخر يتكلّم فيه معهما ، فقال لهما : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبّأتكما بتأويله ، وذلك لأن الله كان قد علّمه تأويل الرؤيا ، وذلك بيّن في قوله : ولنعلّمه من تأويل الأحاديث ، يعنى ما يكون سببا لظهور براءته ومنزلته ، وقد كان أطلعه من الغيوب على ما يخبر به عن البواطن ، حتى روى أنه كان الملك إذا أراد إهلاك أحد أرسل إليه طعاما مسموما(٤) ، فلما سألاه عما رأيا في المنام من أمر الطعام أعلمهما أنه يخبرهما بحال كل طعام يأتيهما
__________________
(١) في م : المزية.
(٢) ليس في م.
(٣) آية ٣٩.
(٤) في ا : مغشوشا.