المسألة الثالثة ـ قال بعض [العلماء] (١) المفسرين : لو كان هذا الشاهد طفلا لكان في كلامه في المهد وشهادته آية ليوسف ، ولم يحتج إلى ثوب ولا إلى غيره. وهذا ضعيف ، فإنه يحتمل أن يكون الصبىّ يتكلم (٢) في المهد منبّها لهم على هذا الدليل الذي كانوا عنه غافلين ، وكانت آية ، كما قال ، تبيّنت بها براءة يوسف من الوجهين : من جهة نطق الصبى ، ومن جهة ذكر الدليل.
المسألة الرابعة ـ قال علماؤنا : في هذا دليل على العمل بالعرف والعادة لما ذكر من أخذ القميص مقبلا ومدبرا ، وما دل عليه الإقبال من دعواها ، والإدبار من صدق يوسف ، وهذا أمر تفرّد به المالكية كما بيناه في كتبنا.
فإن قيل : هذا شرع من قبلنا.
قلنا : عنه جوابان :
أحدهما ـ أن شرع من قبلنا شرع لنا. وقد بيناه في غير موضع.
الثاني ـ أن المصالح والعادات (٣) لا تختلف فيها الشرائع. أما أنه يجوز أن يختلف وجود المصالح فيكون في وقت دون وقت ، فإذا وجدت فلا بدّ من اعتبارها. وقد استدل (٤) يعقوب بالعلامة ، فروى العلماء أن الإخوة لما ادّعوا أكل الذئب [له] (٥) قال : أرونى القميص. فلما رآه سليما قال : لقد كان هذا الذئب حليما. وهكذا فاطردت العادة والعلامة ، وليس هذا بمناقض لقوله [عليه السلام] (٦) البينة على المدّعى واليمين على من أنكر. والبينة إنما هي البيان (٧) ، ودرجات البيان تختلف بعلامة تارة ، وبأمارة أخرى ، وبشاهد أيضا ، وبشاهدين ثم بأربع.
الآية التاسعة ـ قوله تعالى (٨) : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ).
فيها مسألتان :
__________________
(١) من م.
(٢) في م : تكلم.
(٣) في م : والعبادات.
(٤) في م : استقل.
(٥) من م.
(٦) من م.
(٧) في م : للبيان.
(٨) آية ٣٣.