(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، فكيف يقول قضى الأمر ثم يجعل نجاته ظنّا.
وأجاب عنه الناس من وجهين :
الأول ـ قالوا : إنما أخبر عنه بالظن ، لأن تفسير (١) الرؤيا ليس بقطع ، وإنما هو ظن ، وهذا باطل ، وإنما يكون ذلك في حقّ الناس ، فأما في حق الأنبياء فلا ، فإن حكمهم حقّ كيفما وقع.
الثاني ـ إنّ ظنّ هاهنا بمعنى أيقن وعلم ، وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر لغة.
الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ اختلف الناس في الضمير من قوله : (فَأَنْساهُ) هل هو عائد على يوسف أم على الفتى؟
فقيل : هو عائد على يوسف ، أنساه الشيطان أن يذكر الله ، وذكر الملك ، فعوقب بطول اللّبث في السجن ، وكانت كلمته كقول لوط (٣) : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ...) الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد.
وقيل : هو عائد على الفتى نسى تذكرة الملك ، فدام طول مكث يوسف في السجن ، يدل عليه قوله (٤) : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما ، وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ).
المسألة الثانية ـ [فإن قيل :] (٥) إن كان الضمير عائدا على يوسف فكيف يصح أن يضاف نسيانه إلى الشيطان ، وليس له على الأنبياء سلطان؟
قلنا : أما النسيان فلا عصمة للأنبياء عنه إلا في [وجه واحد هو] (٦) جهة الخبر عن الإبلاغ ، فإنهم معصومون فيه نسيانا وذكرا ، وإذا وقع منهم النسيان حيث يجوز وقوعه
__________________
(١) في م : لأن تأويل.
(٢) آية ٤٢.
(٣) سورة هود ، آية ٨٠.
(٤) آية ٤٥.
(٥) من م.
(٦) من م.