فإنه ينسب إلى الشيطان إطلاقا ، ولكن ذلك إنما يكون فيما يخبر الله به عنهم ، أو يخبرون به عن أنفسهم ، ولا يجوز لنا نحن ذلك فيهم.
المسألة الثالثة ـ لما تعلّق يوسف بالمخلوق دام مكثه في السجن بضع سنين ، وسيأتى ذلك في تفسير سورة الروم. قال علماؤنا : البضع من ثلاث إلى عشر ، وعيّنه بعضهم بأنه كان سبع سنين ، وهي مدة بلاء أيوب.
المسألة الرابعة ـ فيها جواز التعلّق بالأسباب ، وإن كان اليقين حاصلا ، لأن الأمور بيد مسبّبها ، ولكنه جعلها سلسلة ، وركّب بعضها على بعض ، فتحريكها سنّة ، والتعويل على المنتهى يقين. والذي يدلّك على جواز ذلك نسبة ما جرى من النسيان إلى الشيطان ، كما جرى لموسى صلى الله عليه وسلم في لقاء الخضر. وهذا بيّن فتأمّلوه.
المسألة الخامسة ـ قوله : (عِنْدَ رَبِّكَ).
أطلق هاهنا على السيد اسم الربّ ، لأنه من ربّه يربّه إذا دبره بوجوه التغذية ، وحفظ عليه مراتب التنمية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى وليقل فتاي وفتأتي ، ولا يقل ربّى وليقل سيّدى. وقد بيناه في موضعه. ويحتمل أن يكون هذا جائزا في شرع يوسف. والله أعلم.
الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (١) (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ فيها صحة رؤيا الكافر ، ولا سيما إذا تعلّقت بمؤمن ، فكيف إذا كانت آية لنبي ، ومعجزة لرسول ، وتصديقا لمصطفى للتبليغ ، وحجة للواسطة بين الله وبين العباد.
المسألة الثانية ـ قالوا أضغاث أحلام ، يعنى أخلاطا مجموعة ، واحدها ضغث : وهو مجموع من حشيش أو حطب. ومنه قوله تعالى (٢) : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).
__________________
(١) آية ٤٣.
(٢) سورة ص ، آية ٤٤.