ومن غريب أمره أنه يعبّر به عن عدم المعرفة بالحق إذا قابله غفلة ، ولم يقترن بعدمه جهل أو شكّ ، وعليه حمل العلماء قوله (١) : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى). الذي حققه قوله(٢) : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ).
المسألة الرابعة ـ روى عبد الله بن عبد الحكم ، عن أشهب ، عن مالك ، قال : يقول الله : فماذا بعد الحق إلا الضلال. فاللعب بالشّطرنج والنّرد من الضلال.
وروى يونس ، عن أشهب قال : سئل ـ يعنى مالكا ـ عن اللعب بالشطرنج قال : لا خير فيه ، وليس بشيء وهو من الباطل ، واللّعب كلّه من الباطل ، وأنه ينبغي لذي العقل أن تنهاه اللحية والشيب عن الباطل. وقد قال عمر بن الخطاب لأسلم في شيء : أما تنهاك لحيتك هذه؟ قال أسلم : فمكثت زمانا وأنا أظنّ أنها ستنهانى. فقيل لمالك لما كان عمر لا يزال يقول فيكون. فقال : نعم [في رأيى] (٣). وروى يونس عن ابن وهب عن مالك أنه سئل عن الرجل يلعب مع امرأته في بيته. فقال مالك : ما يعجبني ذلك ، وليس من شأن المؤمنين اللعب ، يقول الله : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) ، وهذا من الباطل.
وروى مخلد بن خداش ، عن مالك أنه سئل عن اللعب بالشطرنج قال : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) رواه (٤) عبد العزيز الجهني ، قال : قلت لمالك بن أنس : أدعو الرجل لعبثى. فقال مالك : أذلك من الحق؟ قلت : لا. قال : فماذا بعد الحق إلا الضلال.
قال القاضي الإمام : هذا منتهى ما تحصّل لي من ألفاظ مالك في هذه المسألة ، وقد اعترض بعض المتقدمين عليه من المخالفين ، فقال : ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ ما بعد الله هو الضلال ، لأن أوّلها (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) ، فهذا في الإيمان والكفر ، يعنى ليس في الأعمال.
وأجاب عن ذلك بعض علماء المتقدمين ، فقال : إنّ الكفر تغطية الحق ، وكلّ ما كان من غير الحق يجرى هذا المجرى. هذا منتهى السؤال والجواب.
__________________
(١) سورة الضحى ، آية ٧.
(٢) سورة الشورى ، آية ٥٢.
(٣) ليس في م.
(٤) في ل : وروى.