فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في تفسير (الْحَقُ).
وقد مهدناه في كتاب الأمد الأقصى في تسمية الباري (١) تعالى [به] (٢). ولبابه أنّ الحقّ هو الوجود ، والوجود على قسمين : وجود حقيقى ، ووجود شرعي. فأما الوجود الحقيقي فليس إلا لله وصفاته ، وعليه جاء قوله صلى الله عليه وسلم : أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق. فأما الله وصفاته فوجودها [هو] (٣) حق ، لأنه لم يسبقها عدم ، ولا يعقبها فناء. وأما لقاء الله فهو حق سبقه عدم ، ويعقبه مثله. وأما الجنة والنار فهما حقّان ، سبقهما عدم ، ولا يعقبهما فناء ، لكن ما فيها من أنواع العذاب أعراض. وأما الوجود الشرعي فهو الذي يحسنه الشرع ، وهو واجب وغير واجب.
المسألة الثانية ـ في تحقيق معنى الباطل : وهو ضدّ الحق ، والضدّ ربما أظهر حقيقة الضد ، فإذا قلنا : إنّ الله هو الحق حقيقة ، فما سواه باطل ، وعنه عبر الذي يقول (٤) :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل
وإن قلنا : [إنّ] (٥) الحقّ هو الحسن شرعا فالباطل هو القبيح شرعا ، ومقابلة الحق بالباطل عرف لغة وشرعا ، كما قال سبحانه وتعالى (٦) : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ). كما أنّ مقابلة الحق بالضلال عرف أيضا لغة وشرعا ، كما قال الله تعالى في هذه الآية : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) ، وقد بيّن حقيقة الحق. فأما حقيقة الضلال ، وهي :
المسألة الثالثة ـ فهو الذهاب عن الحق ، أخذ من ضلال الطريق ، وهو العدول عن سمت القصد ، وخصّ في الشرع بالعبارة عن العدول عن السداد في الاعتقاد دون الأعمال.
__________________
(١) في ل : تسمية الله تعالى به.
(٢) من م.
(٣) ليس في ل.
(٤) من قول لبيد. وتمامه ـ كما في الديوان (٢٥٦) :
وكل نعيم لا محالة زائل
(٥) من م.
(٦) سورة الحج ، آية ٦٢.