إنّ شريعة من قبلنا لا تلزمنا فليس ينقل عن ذلك حكم. وإن قلنا : إنّ شرع من قبلنا شرع لنا فيكون نهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن الصور نسخا ، وهي :
المسألة الخامسة ـ على ما بيناه في قسم الناسخ والمنسوخ قبل هذا.
وإن قلنا : إنّ الذي كان يصنع له الصور المباحة من غير الحيوان وصورته فشرعنا وشرعه واحد.
وإن قلنا : إن الذي حرم عليه ما كان شخصا لا ما كان رقما في ثوب فقد اختلفت الأحاديث في ذلك اختلافا متباينا بيّناه في شرح الحديث ، لبابه أنّ أمهات الأحاديث خمس أمهات :
الأم الأولى ـ ما روى عن ابن مسعود وابن عباس أنّ أصحاب الصور يعذّبون ، أو هم أشدّ الناس عذابا. وهذا عامّ في كل صورة. الأم الثانية ـ روى عن أبى طلحة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم (١) : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ـ زاد زيد بن خالد الجهني : إلا ما كان رقما في ثوب. وفي رواية (٢) عن أبى طلحة نحوه ، فقلت لعائشة : هل سمعت هذا؟ فقالت : لا ، وسأحدّثكم ، خرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم في غزاة فأخذت نمطا فنشرته (٣) على الباب ، فلما قدم ورأى النّمط عرفت الكراهة في وجهه ، فجذبه حتى هتكه ، وقال : إنّ الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين. قالت : فقطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفا ، فلم يعب ذلك علىّ.
الأم الثالثة ـ قالت عائشة (٤) : كان لنا ستر فيه تمثال طائر ، وكان الداخل إذا دخل استقبله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : حوّلى هذا ، فإنّى كلما رأيته ذكرت الدنيا.
الأم الرابعة ـ روى عن عائشة قالت (٥) : دخل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا متستّرة بقرام (٦) فيه صورة فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه ، ثم قال : إنّ من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون (٧) خلق الله. قالت عائشة : فقطعته ، فجعلت منه وسادتين.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٦٦٦.
(٢) في ا ومسلم : فسترته.
(٣) مسلم : ١٦٦٧.
(٤) القرام : الستر الرقيق.
(٥) في القرطبي ، ومسلم : يشبهون بخلق الله.