فإن قيل : لا عموم لقوله : (تَماثِيلَ) فإنه إثبات في نكرة ، والإثبات في النكرة لا عموم له ، إنما العموم في النفي في النكرة حسبما قررتموه في الأصول.
قلنا : كذلك نقول ، بيد أنه قد اقترن بهذا الإثبات في النكرة ما يقتضى حمله على العموم ، وهو قوله : (ما يَشاءُ) فاقتران المشيئة به يقتضى العموم له.
فإن قيل : فكيف شاء (١) عمل الصور المنهىّ عنها؟
قلنا : لم يرد أنه (٢) كان منهيّا عنها في شرعه ، بل ورد على ألسنة أهل الكتاب أنه كان أمرا مأذونا فيه ، والذي أوجب النهى عنه في شرعنا ـ والله أعلم ـ ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام ، فكانوا يصوّرون ويعبدون ، فقطع الله الذّريعة وحمى الباب.
فإن قيل : فقد قال حين ذمّ الصور وعملها من الصحيح قول النبي عليه السلام (٣) : من صوّر صورة عذّبه الله حتى ينفخ فيها الرّوح ، وليس بنافخ. وفي رواية الذين يشبهون بخلق الله ، فعلّل بغير ما زعمتم.
قلنا : نهى عن الصورة ، وذكر علّة التشبيه بخلق الله ، وفيها زيادة علة عبادتها من دون الله ، فنبّه على أنّ نفس عملها (٤) معصية ، فما ظنّك بعبادتها!
وقد ورد في كتب التفسير شأن يغوث ويعوق ونسرا ، وأنهم (٥) كانوا أناسا ، ثم صوّروا بعد موتهم وعبدوا. وقد شاهدت بثغر الإسكندرية إذا مات منهم ميّت صوّروه من خشب في أحسن صورة ، وأجلسوه في موضعه من بيته وكسوه بزّته (٦) إن كان رجلا وحليتها إن كانت امرأة ، وأغلقوا عليه الباب.
فإذا أصاب أحدا منهم كرب أو تجدد له مكروه فتح الباب [عليه] (٧) وجلس عنده يبكى ويناجيه بكان وكان حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه ، ثم يغلق الباب عليه وينصرف عنه ، وإن تمادى بهم الزمان يعبدوها (٨) من جملة الأصنام والأوثان ، فعلى هذا التأويل إن قلنا :
__________________
(١) في ا : يشاهد.
(٢) في ش : لم يروا أنه.
(٣) مسلم : ١٦٧١
(٤) في ش : عملنا.
(٥) في م : فإنهم.
(٦) في ا : بزيه.
(٧) ليس في ش.
(٨) في ش : فيعبدونها.