باقي شهر شعبان ؛ وشهر رمضان ؛ وشوال ؛ وذي القعدة ، وبمكة يومئذ ـ عبد الله بن عبّاس ؛ وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، فأقبلا جميعا وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، حتى دخلا على الحسين ، فقال عبد الله بن عمر : يا أبا عبد الله! اتّق الله ، رحمك الله الذي إليه معادك ، فقد عرفت عداوة هذا البيت لكم ؛ وظلمهم إياكم ؛ وقد ولي النّاس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء والبيضاء فيقتلوك ، ويهلك فيك بشر كثير ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنهم الله إلى يوم القيامة» ، وأنا اشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه النّاس ، وتصبر كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعلّ الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.
فقال له الحسين : «يا أبا عبد الرّحمن! أنا ابايع يزيد ، وأدخل في صلحه ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فيه وفي أبيه ما قاله».
فقال ابن عبّاس : صدقت ، يا أبا عبد الله! قد قال النبي : «مالي وليزيد ، لا بارك الله في يزيد ، فإنه يقتل ولدي ، وولد ابنتي الحسين بن علي ، فو الذي نفسي بيده ، لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه ، إلّا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم» ، ثمّ بكى ابن عباس وبكى معه الحسين.
ثمّ قال له : «يا بن عباس! أتعلم أني ابن بنت رسول الله»؟ فقال : اللهمّ! نعم ، لا نعرف في الدنيا أحدا هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وإن نصرك لفرض على هذه الأمّة كفريضة الصيام والزكاة ؛ التي لا تقبل إحداهما دون الأخرى.
فقال الحسين : «يا بن عبّاس! فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله من وطنه وداره ؛ وموضع قراره ومولده ؛ وحرم رسوله ؛