فليس هذا من تظنون ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد ، فتفرق النّاس عنه ، وتحصن النعمان بن بشير منه ، وهو يظن : أنّه الحسين ، فجعل يناشده الله والفتنة ، وهو ساكت من وراء الحائط.
ثمّ قال له : افتح الباب لعنك الله ، فسمعها جماعة ، فقالوا : ابن مرجانة والله ، ففتحوا الباب وتفرق النّاس ، ونودي بالصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فخرج ابن زياد وقام خطيبا ، فقال : إنّ أمير المؤمنين ولاني مصركم وثغركم ، وأمرني بانصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ، والشدّة على مريبكم ، وأنا متبع أمره ، ومنفذ فيكم عهده ، وأنا لمحبكم ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري.
وسمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد الله ومقالته ، فانتقل من موضعه حتى أتى دار ـ هانئ بن عروة المرادي ـ ، فدخل ثمّ أرسل إليه : إني أتيتك لتجيرني وتأويني ، فإن ابن زياد قد قدم الكوفة ، وأنا أتقيه على نفسي ، فخرج إليه هانئ ، وقال : قد كلفتني شططا ، ولو لا دخولك داري لأحببت أن تنصرف عني ، غير أني أجد ذلك عارا عليّ بأن رجلا أتاني مستجيرا فلا أجيره ، فانزل على بركة الله ، وجعل عبيد الله يسأل عن مسلم فلا يجد أحدا يرشده إليه ، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم في دار هانئ بن عروة المذحجي ، ويبايعون الحسين سرا ، ومسلم بن عقيل يكتب أسماءهم ويأخذ عليهم العهود أنهم لا ينكثون ولا يغدرون ، حتى بايعه ما ينيف على عشرين ألفا ، وهم مسلم أن يثب بعبيد الله بن زياد ، فمنعه من ذلك هانئ بن عروة ، فقال له. جعلت فداك ، لا تعجل ، فإنّ العجلة لا خير فيها.
ودعا عبيد الله بن زياد مولى له ، يقال له : «معقل» ، فقال : هذه ثلاثة