وكان مختفيا عند بعض الشيعة بالبصرة ، فلمّا رآه ابن زياد لم يكلّمه بشيء دون أن قدمه فضرب عنقه صبرا ، ثم أمر بصلبه ، ثم صعد المنبر ، وقال : يا أهل البصرة! إني نكل بمن عاداني ، سمام لمن نابذني ، وإني لا تقرن بي الصعبة ، ولا يقعقع لي بالشنآن ، قد انصف القارة من راماها.
يا أهل البصرة! إن أمير المؤمنين يزيد قد ولاني الكوفة ، وأنا سائر إليها غدا ، وقد استخلفت عليكم أخي ـ عثمان بن زياد ـ فإياكم والخلاف والأرجاف ، فو الذي لا إله غيره لئن بلغني أنّ رجلا منكم خالف لأقتلنه ؛ وعريفه ، ووليه ، ولآخذن الأقصى بالأدنى حتّى تستقيموا لي ، فلا يكون فيكم مخالف ولا مشاق ، أنا ابن زياد اشبهه من بين وطأ الحصا ؛ ولم ينزعني شبه خال ولا عم.
فلما كان من الغد نادى في الناس ، وخرج من البصرة يريد «الكوفة» ومعه : أبو قتيبة مسلم بن عمرو الباهلي ؛ والمنذر بن الجارود العبدي ، وشريك بن عبد الله الهمداني ، فلم يزل يسير حتّى بلغ قريبا من الكوفة ، ثمّ نزل فلمّا أمسى وجاء الليل دعا بعمامة سوداء ، فاعتجر بها متلثما ، ثمّ تقلّد سيفه ، وتوشح قوسه ، وتنكّب كنانته ، وأخذ في يده قضيبا ، واستوى على بغلة له شهباء ، وركب أصحابه ، وسار حتى دخل الكوفة من طريق البادية ، وذلك في ليلة مقمرة ، والناس يتوقعون قدوم الحسين.
فجعلوا ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهو في ذلك يسلم عليهم ، وهم لا يشكون في أنّه ـ الحسين بن عليّ ـ ، فهم يمشون بين يديه ويقولون : مرحبا بك ، يا ابن رسول الله! قدمت خير مقدم ، فرأى عبيد الله من تباشير النّاس ما ساءه ، فسكت ولم يكلّمهم ولا ردّ عليهم شيئا.
فتكلّم مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : إليكم عن الأمير ، يا ترابية!