عشيرتي ، أين أهل الدين فلينقذوني من يد عدوهم وابن عدوهم؟ ثم قال والدماء تسيل على لحيته : يا شريح! هذه أصوات عشيرتي ، أدخل منهم عشرة ينقذوني ، فلما خرجت تبعني حمير بن بكير (١) وقد بعثه ابن زياد عينا عليّ ، فلولا مكانه لكنت أبلغ أصحابه ما قال ، ثمّ خرج شريح ، فقال : يا هؤلاء! لا تعجلوا بالفتنة ، فإن صاحبكم لم يقتل ، فانصرف القوم.
ثم خرج ابن زياد حتّى دخل المسجد الأعظم ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم التفت فنظر إلى أصحابه عن يمين المنبر وشماله ، في أيديهم الأعمدة والسيوف المسلّلة ، فقال:
أما بعد ـ يا أهل الكوفة! فاعتصموا بطاعة الله ؛ وطاعة رسول الله وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا وتفرّقوا ، فتهلكوا وتندموا ، وتذلوا وتقهروا وتحرموا ، ولا يجعلن أحد على نفسه سبيلا ، وقد أعذر من أنذر ، فما أتمّ الخطبة حتّى سمع الصيحة ، فقال : ما هذا؟ فقيل له : أيها الأمير! الحذر الحذر ، فهذا مسلم بن عقيل قد أقبل في جمع ممّن بايعه ، فنزل عن المنبر مسرعا ، وبادر حتى دخل القصر ، وأغلق الأبواب.
وأقبل مسلم بن عقيل في وقته ذلك ، ومعه ثمانية عشر ألفا أو يزيدون ، وبين يديه الأعلام والسلاح الشاك ، وهم في ذلك يشتمون ابن زياد ويلعنون أباه ، وكان شعارهم : يا منصور! أمت ، وكان قد عقد مسلم ابن عقيل ـ لعبد الله الكندي ـ على كندة ، وقدمه أمام الخيل ، وعقد ـ لمسلم بن عوسجة ـ على مذحج وأسد ، وعقد ـ لأبي ثمامة بن عمر الصائدي ـ على تميم وهمدان ، وعقد ـ للعباس بن جعدة الجدلي ـ على أهل المدينة ، وأقبل مسلم يسير حتى خرج في ـ بني الحرث بن كعب ـ ثمّ خرج على مسجد
__________________
(١) كذا في النسخة والمعروف حمران بن بكير.