ثم قال للمرأة : رحمك الله ، وجزاك خيرا ، اعلمي أني ابتليت من قبل ابنك ، فافتحي الباب ففتحته ، وخرج مسلم في وجوه القوم كالأسد المغضب ، فجعل يضاربهم بسيفه حتى قتل جماعة ، وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إلى محمد بن الأشعث : سبحان الله ، أبا عبد الرحمن! بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم من أصحابك ثلمة عظيمة ، فأرسل إليه محمد ابن الأشعث : أيها الأمير! أتظن أنك بعثتني إلى بقال من بقاقيل الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة ، أفلا تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام ؛ وبطل همام ؛ في كفه سيف حسام ، يقطر منه الموت الزؤام؟ فأرسل إليه ابن زياد : أن اعطه الأمان فانّك لن تقدر عليه إلّا بالأمان المؤكد بالايمان.
فجعل محمد بن الأشعث يناديه : ويحك ، يا بن عقيل! لا تقتل نفسك ، لك الأمان ، فيقول مسلم : لا حاجة لي في أمان الغدرة الفجرة وينشد :
أقسمت لا اقتل إلّا حرّا |
|
وإن رأيت الموت شيئا مرّا |
كل امرئ يوما ملاق شرّا |
|
ردّ شعاع النفس فاستقرّا |
أضربكم ولا أخاف ضرّا |
|
ضرب همام يستهين الدهرا |
ويخلط البارد سخنا مرّا |
|
ولا اقيم للأمان قدرا |
أخاف أن اخدع أو اغرّا |
فناداه محمد بن الأشعث : ويحك ، يا مسلم! إنّك لن تغر ، ولن تخدع والقوم ليسوا بقاتليك ، فلا تقتل نفسك ، فلم يلتفت إليه ، فجعل يقاتلهم حتى اثخن بالجراح ، وضعف عن الكفاح ، وتكاثروا عليه من كل جانب ، وجعلوا يرمونه بالنبل والحجارة. فقال مسلم : ويلكم ، مالكم