ومن جاء به ، فله ديته ، والمنزلة الرفيعة من أمير المؤمنين ، وله كلّ يوم حاجة مقضية ، ثمّ نزل عن المنبر ودعا ـ الحصين بن نمير السكوني ـ ، فقال له : ثكلتك امك! إن فاتتك سكة من سكك الكوفة ، ولم تضيق على أهلها ، أو يأتوك بمسلم بن عقيل ، فو الله لو خرج من الكوفة سالما لتزهقن أنفسنا في طلبه ، فانطلق الآن فقد سلطتك على دور الكوفة وسككها ، فانصب المراصد ، وخذ في الطلب حتى تأتيني بهذا الرجل.
وأقبل ـ محمد بن الأشعث ـ حتى دخل على عبيد الله بن زياد فلما رآه ، قال : مرحبا بمن لا يتهم في مشورة ، وأقبل ابن تلك المرأة التي مسلم في دارها الى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فأخبره : بمكان مسلم ، فقال : اسكت إذن ، ولا تخبر أحدا ، وأقبل عبد الرحمن إلى أبيه فساره في اذنه : بأنّ مسلم في منزل طوعة ، ثم تنحى.
فقال ابن زياد : ما الذي قال لك عبد الرحمن؟ فقال : أصلح الله لأمير ، البشارة الكبرى ، قال : وما تلك؟ فمثلك من يبشر بخير ، فأخبره بذلك ، فسرّ عدوّ الله وقال له : قم فأتني به ، ولك ما بذلت من الجائزة الكبرى ، والحظ الأوفى ، ثمّ أمر ابن زياد خليفته ـ عمرو بن حريث المخزومي ـ أن يبعث مع محمد بن الأشعث ثلاثمائة رجل من صناديد أصحابه ، فركب محمد بن الأشعث حتى وافى الدار التي فيها مسلم بن عقيل ، فسمع مسلم وقع حوافر الخيل ، وأصوات الرجال ، فعلم أنه قد أتي ، فبادر مسرعا إلى فرسه ، فأسرجه وألجمه ، وصبّ عليه درعه ، واعتجر بعمامته ، وتقلّد سيفه ، والقوم يرمون الدار بالحجارة ، ويلهبون النار في هواري القصب ، فتبسم مسلم ثمّ قال : يا نفسي! اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص ولا محيد.