ثمّ أقبل عبد الله بن الزبير فسلّم عليه ، وجلس ساعة ، ثمّ قال : أما والله ، يا بن رسول الله! لو كان لي بالعراق مثل شيعتك لما أقمت بمكة يوما واحدا ، ولو أنك أقمت بالحجاز ما خالفك أحد ، فعلى ما ذا نعطي هؤلاء الدنية ، ونطمعهم في حقنا ، ونحن أبناء المهاجرين وهم أبناء المنافقين؟ قال : وكان هذا الكلام مكرا من ابن الزبير لأنّه لا يحبّ أن يكون بالحجاز أحد يناويه ، فسكت عنه الحسين وعلم ما يريد.
ثم عاد عليه ابن عباس مرّة ثانية ، فأشار عليه بما أشار عليه أوّلا ، ونهاه أن يخرج إلى العراق ، وأن يخرج بنسائه وأهله فيقتل وهم ينظرون إليه ، كما قتل عثمان وأهله ينظرون إليه ، فلا يقدرون له على حيلة ، ثمّ قال : والله ، يا ابن رسول الله! لقد أقررت عيني ابن الزبير بخروجك عن مكة ، وتخليتك إياه في هذه البلدة ، فهو اليوم لا ينظر إليه أحد ، وإذا خرجت نظر النّاس إليه بعدك. فقال الحسين : «فإني أستخير الله في هذا الأمر وأنظر ما يكون» فخرج ابن عبّاس ، وهو يقول : وا حسيناه! ثمّ إن ابن عبّاس مرّ بابن الزبير في طريقه ، وقال له :
يا لك من قبرة بمعمر |
|
خلا لك الجو فبيضي واصفري |
ونقري ما شئت أن تنقري |
|
إن ذهب الصائد عنك فابشري |
قد رفع الفخ فما من حذر |
|
هذا الحسين سائر فانتشري |
ثمّ قال له : قرّت عيناك يا ابن الزبير! فهذا الحسين يخرج إلى العراق ، ويخليك والحجاز ، واتصل الخبر بالمدينة ، وبلغهم أنّ الحسين عزم على الخروج إلى العراق ، فكتب إليه ـ عبد الله بن جعفر الطيار ـ :
بسم الله الرّحمن الرّحيم للحسين بن عليّ من عبد الله بن جعفر :
أما بعد ـ فإني انشدك الله أن تخرج من مكة ، فإني خائف عليك من