ومات أبي عليّ ، وماتت أمي فاطمة ، ومات أخي الحسن ، وبقي ثمال أهل البيت ، واليوم ينعى إليّ نفسه ، وبكت فبكت النسوة ، ولطمن الخدود وشققن الجيوب ، وجعلت اخته تنادي : وا محمداه! وا أبا القاسماه! اليوم مات جدي محمّد ، وا أبتاه! وا علياه! اليوم مات أبي عليّ ، وا اماه! وا فاطماه اليوم ماتت أمي فاطمة ، وا أخاه! وا حسناه! اليوم مات أخي الحسن ، وا أخاه وا حسيناه! وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله! فعزاها الحسين وصبرها ، وقال : «يا اختاه! تعزي بعزاء الله ، وارضي بقضاء الله ، فإن أهل السماء يفوتون ، وأهل الأرض يموتون ، وجميع البرية لا يبقون ، كلّ شيء هالك إلّا وجهه ، فتبارك الله الذي إليه جميع الخلق يرجعون ، فهو الذي خلق الخلق بقدرته ، ويفنيهم بمشيئته ، ويبعثهم بإرادته ، يا اختاه! كان جدي وأبي وأمي وأخي خيرا مني وأفضل ، وقد ذاقوا الموت وضمهم التراب ، وإنّ لي ولك ولكلّ مؤمن برسول الله اسوة حسنة». ثمّ قال عليهالسلام : «يا زينب! ويا أمّ كلثوم! ويا فاطمة! ويا رباب! انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا ؛ ولا تخمشن عليّ وجها ؛ ولا تقلن فيّ هجرا».
ثمّ خرج إلى أصحابه ، فقال له الطرماح بن عدي الطائي ـ وكان من شيعته ـ : الرأي أن تركب معي جمازة (١) فأني أبلغ بك الليلة قبل الصباح أحياء طيّ ، واسوي لك امورك ، وأقيم بين يديك خمسة آلاف مقاتل يقاتلون عنك. فقال له الحسين : «أمن مروءة الإنسان أن ينجي نفسه ، ويهلك أهله وإخوته وأصحابه»؟ فقال له أصحابه : إنّ هؤلاء القوم إذا لم يجدوك لم يفعلوا شيئا ، فلم يلتفت إلى قولهم ، وجزى الطرماح خيرا.
قال : ثمّ أقبل الحر بن يزيد فنزل في أصحابه حذاء الحسين وكتب إلى
__________________
(١) جمازة : فرس من أكرم خيول العرب لعبد الله بن خثم فلعلّ هذه من نسلها.