قال : فنزل القوم ، وحطوا الأثقال ناحية من الفرات ، وضربت خيمة الحسين لأهله وبنيه وبناته ، وضربت خيم إخوته وبني عمّه حول خيمته ، وجلس الحسين في خيمته يصلح سيفه ، ومعه «جون» مولى «أبي ذر الغفاري» فجعل يصلحه ويقول :
يا دهر اف لك من خليل |
|
كم لك بالاشراق والأصيل |
من صاحب وطالب قتيل |
|
والدهر لا يقنع بالبديل |
وكل حيّ سالك سبيلي |
|
ما أقرب الوعد من الرّحيل |
وإنما الأمر الى الجليل |
|
سبحانه جلّ عن المثيل |
قال «علي بن الحسين» عليهماالسلام : «وجعل أبي يردد هذه الأبيات فحفظتها منه ، وخنقتني العبرة ، ولزمت السكوت حسب طاقتي ، فأما عمتي «زينب» فلمّا سمعت بذلك استعبرت وبكت ، وكانت ضعيفة القلب ، فبان عليها الحزن والجزع ، فأقبلت تجر أذيالها إلى الحسين ، وقالت : يا أخي! ويا قرّة عيني ليت الموت أعدمني الحياة ، يا خليفة الماضين! وثمال الباقين! فنظر إليها الحسين ، وقال : اختاه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان ، فإن أهل السماء يموتون ، وأهل الأرض لا يبقون ، كلّ شيء هالك إلّا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون ، فأين أبي وجدي اللذان هما خير مني؟ فلي بهما ولكلّ مؤمن اسوة حسنة ، وعزّاها ، ثم قال لها : بحقي عليك ، يا اختاه! إذا أنا قتلت ، فلا تشقّي علي جيبا ، ولا تخمشي عليّ وجها ، ثمّ ردها إلى خدرها».
وروي : أنّه لما سمعت ذلك اخته «زينب» أو «أمّ كلثوم» جاءت إلى «الحسين» وقالت : يا أخي! هذا كلام من أيقن بالموت ، قال : «نعم يا اختاه» ، قالت : إذن ، فردنا إلى حرم جدّنا ، فقال : «يا اختاه! لو ترك القطا لنام» ، فقالت : وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة ، مات جدي رسول الله ،