رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه ، وأنت اليوم ، يا ابن رسول الله على مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلّا نفسه ، والله تبارك وتعالى مغن عنه ، فسر بنا يا ابن رسول الله! راشدا معافى مشرّقا ، إن شئت أو مغرّبا ، فو الله ، الذي لا إله إلّا هو ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا : نوالي من والاك ؛ ونعادي من عاداك.
قال : وقال للحسين آخر من أصحابه ، يقال له «برير بن خضير الهمداني» : يا ابن رسول الله! لقد منّ الله تعالى علينا بك أن نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك رسول الله صلىاللهعليهوآله شفيعا يوم القيامة لنا ، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيهم ، اف لهم غدا ما يلاقون ، سينادون بالويل والثبور في نار جهنم وهم فيهم مخلدون ، فجزاهم الحسين خيرا.
قال : وخرج ولد الحسين وإخوته وأهل بيته حين سمعوا الكلام ، فنظر إليهم وجمعهم عنده وبكى ، ثم قال : «اللهمّ! إنا عترة نبيك محمد صلواتك عليه وآله ، قد اخرجنا وازعجنا وطردنا عن حرم جدنا ، وتعدّت بنو اميّة علينا ، اللهمّ فخذ لنا بحقنا ، وانصرنا على القوم الظالمين» ، ثم نادى بأعلى صوته في أصحابه : «الرّحيل».
ورحل من موضعه ذلك حتى نزل بكربلاء في يوم الأربعاء ، أو في يوم الخميس ، وذلك اليوم الثاني من محرم من سنة إحدى وستين ، فخطب أصحابه هناك ، وقال : «أما بعد ـ فإن النّاس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» ، ثم قال لهم : «أهذه كربلاء»؟ قالوا له : نعم ، فقال : «هذه موضع كرب وبلاء ، هاهنا مناخ ركابنا ، ومحط رحالنا ، ومسفك دمائنا».