وعشرين راجلا ، وبعث معهم عشرين قربة في جوف الليل حتى دنوا من الفرات ، فقال عمرو بن الحجاج : من هذا؟ فقال له هلال بن نافع الجملي : أنا ابن عم لك من أصحاب الحسين ، جئت حتى أشرب من هذا الماء الذي منعتمونا عنه ، فقال له عمرو : اشرب هنيئا مريئا ، فقال نافع : ويحك ، كيف تأمرني أن أشرب من الماء ، والحسين ومن معه يموتون عطشا؟ فقال : صدقت ، قد عرفت هذا ، ولكن امرنا بأمر ، ولا بدّ لنا أن ننتهي إلى ما امرنا به.
فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بأصحابه ليمنعوا ، فاقتتل القوم على الماء قتالا شديدا ، فكان قوم يقاتلون ، وقوم يملئون القرب حتى ملأوها وقتل من أصحاب عمرو بن الحجاج جماعة ، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ، ثمّ رجع القوم إلى عسكرهم بالماء ، فشرب الحسين ومن كان معه ولقب العباس يومئذ السقاء.
قال : وأرسل الحسين إلى ابن سعد : «إني اريد أن اكلمك فألقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارسا ، والحسين في مثل دلك ، ولما التقيا أمر الحسين أصحابه فتنحوا عنه ، وبقي معه : أخوه العبّاس ؛ وابنه عليّ الأكبر ، وأمر ابن سعد أصحابه فتنحوا عنه ، وبقي معه : ابنه «حفص» ؛ وغلام له ، يقال له : «لا حق» ، فقال الحسين لابن سعد : «ويحك ، أما تتقي الله الذي إليه معادك؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟ يا هذا ذر هؤلاء القوم ، وكن معي فإنّه أقرب لك من الله» ، فقال له عمر : أخاف أن تهدم داري. فقال الحسين : «أنا أبنيها لك» ، فقال عمر : أخاف أن تؤخذ ضيعتي ، فقال : «أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز» ، فقال : لي عيال أخاف عليهم ، فقال : «أنا أضمن سلامتهم».