دفع القتل عنك ، وعن هؤلاء الفتية من إخوتك ؛ وولدك ؛ وأهل بيتك. قال : وتكلم جماعة بنحو ـ هذا الكلام ، وقالوا : أنفسنا لك الفداء ، ونقيك بأيدينا ووجوهنا وصدورنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا وقضينا ما علينا.
ثم تكلّم «برير بن خضير الهمداني» وكان من الزهاد الذين يصومون النهار ، ويقومون الليل ، فقال : يا ابن رسول الله! ائذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد فأعظه لعلّه يتعظ ويرتدع عما هو عليه ، فقال الحسين : «ذاك إليك ، يا برير» ، فذهب إليه حتى دخل على خيمته فجلس ولم يسلم ، فغضب عمر ، وقال : يا أخا همدان ما منع من السلام عليّ؟ ألست مسلما أعرف الله ورسوله ، وأشهد بشهادة الحقّ؟ فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول ، لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم؟
وبعد ـ فهذا «الفرات» يلوح بصفائه ، ويلج كأنه بطون الحيات ، تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها ، وهذا «الحسين بن عليّ وإخوته ونساؤه وأهل بيته ، يموتون عطشا ، وقد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله؟
فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ، ثمّ رفع رأسه ، وقال : والله ، يا برير إني لأعلم يقينا أنّ كلّ من قاتلهم وغصبهم حقّهم هو في النار لا محالة ، ولكن يا برير! أفتشير عليّ أن أترك ولاية الري فتكون لغيري؟ فو الله ، ما أجد نفسي تجيبني لذلك ، ثم قال :
دعاني عبيد الله من دون قومه |
|
إلى خطه فيها خرجت لحيني |
فو الله ، ما أدري وإني لحائر |
|
افكر في أمري على خطرين |
أأترك ملك الري والريّ منيتي |
|
أم أرجع مأثوما بقتل حسين؟ |
وفي قتله النار التي ليس دونها |
|
حجاب وملك الري قرّة عيني |