فرجع برير إلى الحسين ، وقال : يا ابن رسول الله! إنّ عمر بن سعد قد رضي لقتلك بولاية الري.
قال : فلمّا أيس الحسين من القوم ، وعلم أنهم مقاتلوه ، قال لأصحابه : «قوموا ، فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا ، وأجّجوا فيها نارا حتى يكون قتال هؤلاء القوم من وجه واحد فإنهم لو قاتلونا وشغلنا بحربهم لضاعت الحرم» ، فقاموا من كل ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة ، ثمّ جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة وأجّجوا فيها النّار.
وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد ، يقال له : «مالك بن جريرة» على فرس له حتى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي بأعلى صوته : أبشر يا حسين! فقد تعجلت النار في الدّنيا قبل الآخرة ، فقال له الحسين : «كذبت ، يا عدو الله! أنا قادم على ربّ رحيم ، وشفيع مطاع ، ذاك جدّي محمّد» ، ثم قال الحسين لأصحابه : «من هذا»؟ فقيل له : هذا مالك بن جريرة ، فقال الحسين : «اللهمّ جره إلى النار ، وأذقه حرّها قبل مصيره إلى نار الآخرة» ، فلم يكن بأسرع من أن شبّ به الفرس فألقاه على ظهره ، فتعلّقت رجله في الركاب ، فركض به الفرس حتى ألقاه في النار فاحترق.
فخرّ الحسين عليهالسلام ساجدا ، ثمّ رفع رأسه ، وقال : «يا لها من دعوة! ما كان أسرع إجابتها» ، ثمّ رفع الحسين صوته ، وقال : «اللهمّ إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنّك سميع قريب» ، فسمعها محمد بن الأشعث ، فقال : يا حسين وأي قرابة بينك وبين محمد؟ فقال الحسين : «اللهمّ إن محمد بن الأشعث ، يقول : إنّه ليس بيني وبين رسولك قرابة ، اللهم! فأرني فيه هذا اليوم ذلا عاجلا» ، فما كان بأسرع من أن تنحى ، محمد بن الأشعث ، وخرج من العسكر ، فنزل عن فرسه ، وإذا