بالليل والنهار ، وشيعته الأتقياء الأبرار ، فقال له رجل من أصحاب ابن سعد ، يقال له : «عروة بن قيس» : إنّك لتزكي نفسك ما استطعت ، فقال له زهير بن القين : اتّق الله ، يا ابن قيس! ولا تكن من الذين يعينون على الضلال ؛ وقتل النفوس الزكية الطاهرة ؛ وعترة خير الأنبياء ؛ وذرية أصحاب الكساء.
فقال له ابن قيس : إنّك لم تكن عندنا من شيعة أهل البيت ، وإنّما كنت عثمانيا نعرفك ، فكيف صرت ترابيا ، فقال له زهير : إني كنت كذلك ، غير أني لما رأيت «الحسين» مغصوبا على حقه ذكرت جدّه ومكانه منه ، فرأيت لنفسي أن أنصره ، وأكون من حزبه ، وأجعل نفسي من دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله.
فكان هؤلاء في هذه المخاطبة ، والحسين جالس مفكر في أمر المحاربة ، وأخوه «العباس» واقف بين يديه فقال للعباس : «ارجع يا أخي إلى القوم فإن استطعت أن تصرفهم وتدفعهم عنا باقي هذا اليوم فافعل لعلّنا نصلّي لربنا ليلتنا هذه وندعو الله ونستعفيه ونستنصره على هؤلاء القوم». فأقبل العباس إلى القوم وهم وقوف ، فقال لهم : يا هؤلاء! إنّ أبا عبد الله يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم هذا ، حتى ينظر في هذا الأمر ، ثمّ نلقاكم به غدا إن شاء الله ، فأخبر القوم أميرهم عمر بن سعد ، فقال للشمر : ما ذا ترى يا شمر؟ فقال : إني ما أرى إلّا رأيك ، أنت الأمير علينا فافعل ما تشاء ، فقال : إني أحببت أن لا أكون أميرا ، فلم أترك واكرهت ، ثم قال لأصحابه : ما ترون؟ قالوا له : أنت الأمير ، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي : سبحان الله العظيم ، والله لو كان هؤلاء من ـ الترك والدّيلم ـ ثم سألوكم هذه الليلة ، لقد كان ينبغي أن تجيبوهم إلى ذلك ، فكيف وهم آل الرسول محمد صلىاللهعليهوآله.