فقال ابن سعد : اخبرهم إنا أجلناهم باقي يومنا هذا إلى غد ، فإن استسلموا ونزلوا على الحكم وجهنا بهم إلى الأمير عبيد الله ، وإن أبوا ناجزناهم ، فانصرف الفريقان وعاد كلّ إلى معسكره ، وجاء الليل فبات الحسين عليهالسلام تلك الليلة راكعا ساجدا باكيا مستغفرا متضرّعا ، وبات أصحابه ولهم دويّ كدويّ النحل ، وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه ، حتى قارب معسكر «الحسين» فسمعه يتلو قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) آل عمران / ١٧٨ و ١٧٩ ، فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن ورب الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد ميزنا منكم.
فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ثمّ نادى : يا فاسق! يا فاجر! يا عدو الله! يا ابن البوّال على عقبيه أمثلك يكون من الطيبين ، والحسين ابن رسول الله من الخبيثين ، والله ، ما أنت إلّا بهيمة ولا تعقل ما تأتي وما تذر ، فابشر يا عدو الله! بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فصاح شمر : إنّ الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب ، فقال برير : أبالموت تخوفني؟ والله ، إنّ الموت مع ابن رسول الله أحبّ إليّ من الحياة معكم ، والله ، لا نالت شفاعة محمد صلىاللهعليهوآله قوما أراقوا دماء ذريته وأهل بيته.
فجاء إليه رجل من أصحابه ، وقال : يا برير إن ـ أبا عبد الله ـ ، يقول لك : ارجع إلى موضعك ، ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه ، وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت ، وأبلغت في النصح والدعاء.