قال : فلما كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ، ثمّ استيقظ ، فقال : «أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة»؟ قالوا : فما رأيت يا ابن رسول الله؟ قال : «رأيت كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني ، وفيها كلب أبقع رأيته كأشدّها عليّ ، وأظنّ الذي يتولى قتلي رجلا أبرص من بين هؤلاء القوم ، ثمّ إني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعه جماعة من أصحابه ، وهو يقول لي : يا بني! أنت شهيد آل محمد ، وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجل يا بني! ولا تأخر ، فهذا ملك نزل من السماء ، ليأخذ دمك في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرّحيل من هذه الدّنيا.
وأصبح الحسين فصلى بأصحابه ، ثمّ قرب إليه فرسه ، فاستوى عليه وتقدم نحو القوم ، في نفر من أصحابه ، وبين يديه برير بن خضير الهمداني ، فقال له الحسين : «كلّم القوم ، يا برير وانصحهم» ، فتقدم برير حتى وقف قريبا من القوم ، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم ، فقال لهم برير : يا هؤلاء! اتّقوا الله فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم ، وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟ فقالوا : نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم ، فقال برير : أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي أقبلوا منه؟ ويلكم ، يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم إليه ، وعهودكم التي أعطيتموها من انفسكم ، وأشهدتم الله عليها؟ وكفى بالله شهيدا ، ويلكم ، دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم من دونهم ، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم لعبيد الله ، وحلأتموهم عن ماء الفرات الجاري ، وهو مبذول يشرب منه اليهود ؛ والنصارى ؛ والمجوس ؛ وترده الكلاب والخنازير ، بئسما خلفتم