نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله بخيمة خالتي ومعه أصحاب له ، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس ، فقال (١) في الخيمة هو وأصحابه حتى أبرد ، وكان اليوم قايظا شديدا حرّه ، فلما قام من رقدته ، دعا بماء فغسل يديه فأنقاهما ، ثم مضمض فاه ومجه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتي ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ، ثم مسح برأسه ما أقبل منه وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه ظاهرهما وباطنهما ، والله ، ما عاينت أحدا فعل ذلك.
ثم قال : «إنّ لهذه العوسجة شأنا».
ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك ، ثم قام فصلّى ركعتين ، فعجبت أنا وفتيات الحي من ذلك ، وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأينا مصليا قبله ، فلمّا كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عالية وأبهى ، وقد خضد الله شوكها ، ووشجت عروقها ، وكثرت أفنانها ، واخضر ساقها وورقها ، ثم أثمرت بعد ذلك فأينعت بثمر كان كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ، ورائحة العنبر وطعم الشهد ، والله ، ما أكل منها جائع إلّا شبع ، ولا ظمآن إلا روي ، ولا سقيم إلّا برئ ، ولا ذو حاجة وفاقة إلّا استغنى ، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلا سمنت ودر لبنها ، فرأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل عليهالسلام ، واخصبت بلادنا وامرعت ، فكنا نسمي تلك الشجرة : «المباركة» ، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلون بها ، ويتزودون من ورقها في الأسفار ، ويحملون معهم للأرض القفار ، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب.
__________________
(١) من القيلولة.