جدي وكان في نهاية الثقة به لكمال عقله ، فقال له : قد ندبتك لأمر عظيم عندي ، فأنت عندي ، كما قال أبو ذويب :
الكنى (١) إليها وخير الرّسول |
|
اعلمهم بنواحي الخبر |
ثمّ عرفه بما يريده منه ، وأطلق له مالا خطيرا ، وقال له : كلّ شيء تريده بعد هذا من المال فخذه وصر إلى المدينة ، وافتح بها دكان عطار ، وأظهر أنّك من خراسان من شيعة عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وأنفق على أصحابه ، وأهد لهم وله ما يقربك منهم ، وكاتبني مع ثقاتك بأنفاسهم ، وتعرف لي خبر ابنيه محمد وإبراهيم.
قال : فمضى جدي ففعل ذلك كلّه ، فلما أخذ ـ أبو جعفر الدوانيقي ـ عبد الله بن الحسن وإخوته ، جعل يوبخ عبد الله على شيء من فعله ، ويأتيه بما ظن عبد الله أنه ليس أحد يعلمه ، فقال عبد الله لبعض ثقاته : من أين أتينا؟ قال : من العطار. قال : اللهم! أبله في نفسه وولده بما يكون ، نكالا له وردعا لغيره ، بلاء يشتهر به.
قال : فعمي جدي وأبي وعمي وولدهم ، وأنا على الحال التي ترون ، وكذلك تكون ولدي من دعاء ـ عبد الله بن الحسن ـ ، وكذلك يكونون إلى يوم القيامة.
وذكر أبو أحمد العسكري ، بإسناده إلى بشير الرّحال هذه الحكاية تامة ، إلى أن قال: فأخذ أبو جعفر عبد الله بن الحسن ، وحبسه وجوّعه ، ووضعت المائدة بين يديه ، ثم قال لبعض خدمه : قم على رأسه! فقام فلم يلتفت إليه من شدّة الجوع ، فقال : اجذبه فجذبه ، فنظر إليه فسقطت اللقمة من يده ، فقال : أقلني ، يا أمير المؤمنين. قال : لا أقالني الله إذن ، ثم قتله
__________________
(١) الكنى : أرسلني.